تعالى بالمسير إلى أريحا من أرض الشام ، وكان يسكنها الكنعانيّون الجبابرة ، ومنهم عوج بن عنق ، وقال : إنّي كتبتها لكم دارا قرارا ، فاخرجوا إليها ، وجاهدوا من فيها ، فإنّي ناصركم ، وأمر الله موسى عليهالسلام بأن يأخذ من كلّ سبط كفيلا عليهم بالوفاء بما أمروا به ، فأخذ عليهم الميثاق ، واختار منهم النقباء وسار بهم ، فلمّا دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسّسون الأخبار ، ونهاهم أن يحدّثوا قومهم ما رأوا من عظم جثث الجبّارين وجسامة هياكلهم وشدّة بطشهم ، لئلّا يجبنوا ويتباعدوا عن جهادهم ، فلمّا رأوا أجراما عظيمة وبأسا شديدا هابوا ، فرجعوا وحدّثوا قومهم ما رأوا من الجبّارين ، إلا كالب بن يوفنا من سبط يهوذا ، ويوشع ابن نون من سبط أفرائيم بن يوسف ، وكانا من النقباء. وقيل : كتم خمسة ، وأظهر الباقون.
(وَقالَ اللهُ) بوساطة موسى (إِنِّي مَعَكُمْ) بالنصرة والإعانة (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) أي : نصرتموهم وقوّيتموهم ومنعتموهم من أيدي العدوّ. وأصله الذبّ ، ومنه التعزير ، وهو التنكيل والمنع من معاودة الفساد ، (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) أي : أنفقتم في سبيل الله نفقة حسنة يجازيكم بها ، فكأنّه قرض من هذا الوجه. و «قرضا» يحتمل المصدر والمفعول.
وقيل : معنى الآية : لقد أخذنا ميثاقهم بالإيمان والعدل ، وبعثنا منهم اثني عشر ملكا يقيمون فيهم العدل. واللام موطّئة للقسم.
(لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) جواب للقسم المدلول عليه باللام في «لئن» سادّ مسدّ جواب الشرط والقسم جميعا (وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ) بعد ذلك الشرط المؤكّد المعلّق به هذا الوعد العظيم (مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) ضلالا لا شبهة فيه ، وزال عن قصد الطريق الواضح ، لأنّ النعمة كلّما عظمت وزادت كثرت المذمّة في كفرانها وتمادت ، بخلاف من كفر قبل ذلك ، إذ قد يمكن أن تكون له شبهة ، ويتوهّم له معذرة.