(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) أبعدناهم من رحمتنا ، أو مسخناهم ، أو ضربنا عليهم الجزية (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) خذلناهم ، ومنعناهم التوفيق واللطف والذي تنشرح به صدورهم ، حتى ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ، حتى قست قلوبهم ، فلا تنفعل عن الآيات. والقسوة خلاف اللين والرقّة. وقرأ حمزة والكسائي : قسيّة ، وهي إمّا مبالغة قاسية ، أو بمعنى رديئة مغشوشة ، من قولهم : درهم قسي ، إذا كان مغشوشا. وهو أيضا من القسوة ، فإنّ المغشوش فيه يبس وصلابة.
ثمّ استأنف لبيان قسوة قلوبهم بقوله : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) فإنّه لا قسوة أشدّ من تغيير كلام الله والافتراء عليه. ويجوز أن يكون حالا من مفعول «لعنّاهم» لا من القلوب ، إذ لا ضمير له فيه (وَنَسُوا حَظًّا) وتركوا نصيبا وافيا (مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) من التوراة ، أو من اتّباع محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. والمعنى : أنّهم حرّفوا التوراة ، وتركوا حظّهم ممّا أنزل عليهم ، فلم ينالوه.
وقيل : معناه : وضيّعوا ما ذكّرهم الله به في كتابهم ممّا فيه رشدهم ، وتركوا تلاوته ، فنسوه على مرّ الأيّام.
وقيل : معناه : أنّهم لمّا حرّفوها فزلّت بشؤمه أشياء منها عن حفظهم ، لما روي أنّ ابن مسعود قال : قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية ، وتلا هذه الآية.
(وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) أي : خيانة ، أو فرقة خائنة ، أو خائن ، والتاء للمبالغة. والمعنى : أنّ الخيانة والغدر من عادتهم وعادة آبائهم السالفة ، لا تزال ترى ذلك منهم. (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) لم يخونوا ، وهم الّذين آمنوا منهم. وقيل : استثناء من قوله : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً).
(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) ما داموا على عهدك ، ولم يخونوك. عنى بهم القليل الّذي استثناه منهم. أو إن تابوا وآمنوا ، أو عاهدوا والتزموا الجزية. وقيل : مطلق