قاله شكاية منه إلى الله تعالى ، وإظهارا لبثّه وحزنه لمّا خالفه قومه ، وأيس منهم ، ولم يبق معه موافق يثق به غير هارون عليهالسلام. ونحوه قول يعقوب عليهالسلام : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) (١).
وعن عليّ عليهالسلام : أنّه كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال البغاة ، فما أجابه إلّا رجلان ، فتنفّس الصعداء ، فدعا لهما وقال : أين تقعان ممّا أريد.
والرجلان المذكوران وإن كانا يوافقانه لم يثق عليهما ثقة هارون ، لما كابد من تلوّن قومه. ويجوز أن يراد بـ «أخي» من يؤاخيني في الدين ، فيدخلان فيه.
وذكر في إعراب «أخي» وجوه. نصبه عطفا على «نفسي» ، أو على اسم «إنّ» أي : وإنّ أخي لا يملك إلّا نفسه. وجرّه عند الكوفيّين عطفا على الضمير في «نفسي». وهو ضعيف ، لقبح العطف على الضمير المجرور إلا بتكرير الجارّ. ورفعه عطفا على الضمير في «لا أملك» أو على «إنّ» واسمها.
(فَافْرُقْ) فافصل (بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) بأن تحكم لنا بما نستحقّه ، وتحكم عليهم بما يستحقّونه ، أو بالتبعيد بيننا وبينهم ، تخليصا من صحبتهم ، فهو في معنى الدعاء عليهم.
(قالَ فَإِنَّها) فإنّ الأرض المقدّسة (مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) لا يدخلونها ولا يملكونها بسبب عصيانهم (أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) عامل الظرف ـ وهو أربعين ـ إمّا «محرّمة» فيكون التحريم مؤقّتا غير مؤبّد ، فلا يخالف قوله : (الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ). وإمّا «يتيهون» أي : يسيرون فيها متحيّرين لا يرون طريقا ، فيكون التحريم مطلقا. ويؤيّد الأوّل ما روي أنّ موسى سار بمن بقي من بني إسرائيل ، وكان يوشع على مقدّمته ، ففتح أريحا وأقام بها ما شاء الله ثم قبض.
وقيل : مات موسى في التيه ، ولمّا احتضر أخبرهم بأنّ يوشع بعده نبيّ الله ،
__________________
(١) يوسف : ٨٦.