وأنّ الله أمره بقتال الجبابرة ، وكان هارون مات قبله بسنة ، وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة في ملك أفريدون ومنوچهر ، وكان عمر يوشع مائة وستّة وعشرين ، وكان بعد وفاة موسى مدبّرا لأمر بني إسرائيل سبعا وعشرين سنة ، ومات النقباء في التيه بغتة غير كالب ويوشع ، فسار يوشع بهم إلى أريحا بعد مضيّ ثلاثة أشهر من فوت موسى ، وقاتل الجبابرة. وروي أنّ الشمس غابت في أثناء المحاربة ، فدعا يوشع فردّ الله تعالى عليهم الشمس حتى قتلوا الجبابرة وفتحوا أريحا ، وصار الشام كلّه لبني إسرائيل.
وقيل : لم يدخل الأرض المقدّسة أحد ممّن قال : (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها) وهلكوا في التيه ، ولمّا نشأت ذراريهم قاتلوا الجبّارين ودخلوها. فيكون التقدير : كتب الله لكم الأرض المقدّسة بشرط أن تجاهدوا أهلها ، فلمّا أبوا الجهاد قيل : فإنّها محرّمة عليهم.
والتيه المفازة الّتي يتاه فيها ، فقد روي أنّهم لبثوا أربعين سنة في ستّة فراسخ يسيرون كلّ يوم من الصباح إلى المساء ، فإذا هم كانوا بحيث ارتحلوا عنه ، وكان الغمام يظلّهم من حرّ الشمس ، ويطلع عليهم بالليل عمود من نور يضيء لهم ، وينزل عليهم المنّ والسلوى ، وماؤهم من الحجر الّذي يحملونه ، ولا تطول شعورهم ، وإذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطول بطوله.
وقيل : كان موسى وهارون معهم ، لقوله : (فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ).
وقيل : كانا معهم ، إلّا أنّه كان ذلك روحا لهما وسلامة ، كالنار لإبراهيم ، وملائكة العذاب. وهذا قول أكثر المفسّرين والمؤرّخين.
(فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) خاطب به موسى لمّا ندم على الدعاء عليهم. والمعنى : فلا تحزن عليهم ، فإنّهم أحقّاء بذلك لفسقهم.