الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره ، ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محظوظا ، لا في إزالة حظّه ، فإنّ ذلك ممّا يضرّه ولا ينفعه.
(لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ) مددت إليّ يدك (لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ) لأنّ إرادة القتل قبيح ، وإنّما يحسن من المظلوم قتل الظالم على وجه المدافعة له ، طلبا للتخلّص من غير أن يقصد إلى قتله ، فكأنّه قال : لئن ظلمتني لم أظلمك ، اي : لئن بسطت إليّ يدك على سبيل الظلم والابتداء لتقتلني ، ما أنا بباسط يدي إليك على وجه الظلم والابتداء (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) في مدّي إليك يدي لقتلك.
قيل : كان هابيل أقوى منه ، ولكن تجنّب من قتله واستسلم له خوفا من الله ، لأنّ الدفع لم يبح بعد ، وكان الصبر عليه هو المأمور به ، ليكون الله هو المتولّي للانتصاف. وإنّما قال : (ما أَنَا بِباسِطٍ) بالجملة الاسميّة في جواب (لَئِنْ بَسَطْتَ) ، للتبرّي عن هذا الفعل الشنيع رأسا ، والتحرّز من أن يوصف به ويطلق عليه ، ولذلك أكّد النفي بالباء.
(إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) هذا تعليل ثان للامتناع عن المعارضة والمقاومة. والمعنى : إنّما أستسلم لك إرادة أن تحمل إثمي لو بسطت إليك يدي ، وإثمك ببسطك يدك إليّ قبل قتلي. وهذا منقول عن ابن عبّاس وابن مسعود والحسن وقتادة ومجاهد والضحّاك. ونحوه قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المستبّان ما قالا فعلى البادي ، ما لم يعتد المظلوم» أي : البادي عليه إثم سبّه ، ومثل إثم سبّ صاحبه ، لأنّه كان سببا فيه. ومثل ذلك ما قيل : إنّ معناه : بإثم قتلي وإثمك الّذي هو قتل جميع الناس ، حيث سننت القتل.
أو المعنى : إنّي لا أبدؤك بالقتل ، لأنّي أريد أن ترجع بإثم قتلي وإثمك الّذي من أجله لم يتقبّل قربانك.
وكلاهما في موضع الحال ، أي : ترجع ملتبسا بالإثمين حاملا لهما. ولم يرد بذلك معصية أخيه وشقاوته ، بل قصده بهذا الكلام أنّ ذلك إن كان لا محالة واقعا ،