فأريد أن يكون لك لا لي. فالمراد بالذات أن لا يكون له ، لا أن يكون لأخيه.
ويجوز أن يكون المراد بالإثم عقوبته ، وإرادة عقاب العاصي جائزة.
(فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) فتصير بذلك من الملازمين النار (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) أي : عقاب العاصين المتعدّين.
(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) فسهّلته ويسّرته له ووسّعته ، من : طاع له المرتع ، إذا اتّسع. وذكر «له» لزيادة الربط ، كقولك : حفظت لزيد ماله. (فَقَتَلَهُ) عن مجاهد : لم يدر قابيل كيف يقتله ، فظهر له إبليس في صورة طير ، وأخذ طيرا آخر وترك رأسه بين حجرين فشدخه ، ففعل قابيل مثله. وقيل : هو أوّل قتيل كان في الناس. (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) فصار ممّن خسر الدنيا والآخرة ، وذهب عنه خيرهما ، إذ بقي مدّة عمره مطرودا محزونا ، وبعد الموت يرجع إلى العذاب الأليم.
قيل : قتل هابيل ، وهو ابن عشرين سنة ، عند عقبة حراء. وقيل : بالبصرة في موضع المسجد الأعظم.
وروي أنّه لمّا قتله تركه بالعراء ، وتحيّر في أمره ، ولم يدر ما يصنع به (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ) أي : يحفر (فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) إذ كان أوّل ميّت من بني آدم ، فقصده السباع ، فحمله في جراب على ظهره حتى أروح (١) ، وعكفت عليه الطير والسباع ، فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ، ثمّ حفر له بمنقاره ورجليه ، ثمّ ألقاه في الحفيرة.
والضمير في «ليري» لله ، أو للغراب. ولمّا كان سبب تعليمه فكأنّه قصد تعليمه. و «كيف» حال من الضمير في «يواري» ، والجملة ثاني مفعولي «يرى».
والمراد بـ «سوءة أخيه» جسده الميّت ، فإنّه ممّا يستقبح أن يرى. وأصلها الفضيحة ، لهذا كنّى به عن العورة.
ولمّا رأى ذلك قابيل (قالَ يا وَيْلَتى) كلمة جزع وتحسّر ، والألف فيها بدل
__________________
(١) أروح الماء : أنتن وخبثت رائحته.