من ياء المتكلّم. والمعنى : يا ويلتي احضري ، فهذا أوانك. والويل والويلة الهلكة.
(أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ) لا أهتدي إلى ما اهتدي إليه. وقوله : (فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي) عطف على «أن أكون» ، وليس جواب الاستفهام ، إذ ليس المعنى : لو عجزت لواريت (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) فصار منهم على قتله ، لما كابد فيه من التحيّر في أمره ، وحمله على رقبته سنة أو أكثر على ما قيل ، وتلمّذه للغراب ، واسوداد لونه ، وتبرّء أبويه منه ، إذ روي أنّه لمّا قتله اسودّ جسده ، فسأله آدم عن أخيه ، فقال : ما كنت عليه وكيلا ، فقال : بل قتلته ، ولذلك اسودّ جسدك ، وتبرّأ منه ، ومكث بعد ذلك مائة سنة لا يضحك ، ولم يظفر (١) بما فعله لأجله.
وعن ابن عبّاس قال : لمّا قتل قابيل هابيل ، أشاك الشجر ، وتغيّرت الأطعمة وحمضت الفواكه ، وأمرّ الماء ، واغبرّت الأرض ، فقال آدم : قد حدث في الأرض حدث ، فأتى الهند فإذا قابيل قتل هابيل ، فأنشأ يقول :
تغيّرت البلاد ومن عليها |
|
فوجه الأرض مغبرّ قبيح |
تغيّر كلّ ذي لون وطعم |
|
وقلّ بشاشة الوجه الصبيح |
وقالوا : لمّا مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة ، وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ، ولدت له حوّاء شيثا ، وتفسيره : هبة الله ، يعني : أنّه خلف من هابيل ، وكان وصيّ آدم ووليّ عهده. فأمّا قابيل فقيل له : اذهب طريدا شريدا فزعا مذعورا ، لا تأمن من تراه. وذهب إلى عدن من اليمن ، فأتاه إبليس فقال : إنّما أكلت النار قربان هابيل لأنّه كان يعبدها ، فانصب أنت نارا تكون لك ولعقبك ، فبنى بيت نار ، وهو أوّل من نصب النار وعبدها ، واتّخذ أولاده آلات اللهو من الطبول والمزامير والعيدان ، وانهمكوا في اللهو ، وشرب الخمر ، وعبادة النار ، والزنا والفواحش ، حتّى غرقهم الله أيّام نوح بالطوفان وبقي نسل شيث.
__________________
(١) أي : لم يظفر قابيل بما أراد من قتل أخيه ، وهو التزوّج بتوأمته.