(ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) (١) أي : عذابكم ، أو تركه مفتونا مخذولا (فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) فلن تستطيع له من الله شيئا في دفعها (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) من عقوبات الكفر الّتي هي الختم والطبع والضيق والخذلان ، بأن يمنحهم من ألطافه الهادية إلى الإيمان ، كما طهّر قلوب المؤمنين منها ، لأنّهم ليسوا من أهلها ، لعلمه أنّها لا تنجع فيهم. ولا يجوز حمل الآية على ظاهرها كما هو رأي الأشعري ، لأنّ إرادة الكفر قبيح ، والله تعالى منزّه عنه.
(لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) هو ان وذلّ بالجزية ، والخوف من أهل الإسلام (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) وهو الخلود في النار. والضمير لـ (الَّذِينَ هادُوا) إن استأنفت بقوله : (وَمِنَ الَّذِينَ) ، وإلّا فللفريقين.
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) كرّره للتأكيد (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) أي : الحرام كالرّشا ، من : سحته إذا استأصله ، لأنّه مسحوت البركة ، أو لأنّه يعقّب هلاك الاستئصال.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب بضمّتين ، وهما لغتان كالعنق والعنق.
وفي الحديث : «كلّ لحم نبت على السحت فالنار أولى به».
(فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) تخيير لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا تحاكموا إليه بين الحكم والإعراض. وهذا التخيير عندنا ثابت للأئمّة في الشرع ، للأخبار الواردة عن أئمّتنا عليهمالسلام. وهو قول ابن عبّاس برواية ، وقول قتادة وعطاء والشعبي وإبراهيم. وقال الشافعي أيضا : إنّه لو تحاكم كتابيّان إلى القاضي لم يجب عليه الحكم ، وعند أبي حنيفة يجب.
(وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ) عن الحكم بينهم (فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً) أي : لا يقدرون على إضرار بك في دنيا أو دين ، لإعراضك عنهم ، فإنّ الله يعصمك من الناس.
(وَإِنْ حَكَمْتَ) وإن اخترت أن تحكم بينهم (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) بالعدل
__________________
(١) الذاريات : ١٤.