كَثِيراً مِنْهُمْ) أي : من اليهود أو المنافقين (يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ) أي : الحرام. وقيل : الكذب ، لقوله : (عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ). وقيل : كلمة الشرك ، نحو قولهم : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) (١). (وَالْعُدْوانِ) الظلم ، أو مجاوزة الحدّ في المعاصي. وقيل : الإثم ما يختصّ بهم ، والعدوان ما يتعدّى إلى غيرهم. (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) أي : الحرام الّذي هو الرشوة في الحكم. خصّه بالذكر للمبالغة. (لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) لبئس شيئا عملوه.
قال أهل المعاني : إنّ أكثر ما تستعمل المسارعة في الخير ، كقوله تعالى : (يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) (٢). وفائدة إيثار لفظ المسارعة هاهنا ـ وإن كان لفظ العجلة أدلّ على الذمّ ـ أنّهم يعملونه كأنّهم محقّون فيه ، ولذلك قال ابن عبّاس في تفسيره : أنّهم يجترءون على الخطأ.
(لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ) العلماء بالدين الذين من قبل الربّ (وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ) الإثم : الكذب أو كلمة الشرك (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) تحضيض لعلمائهم على النهي عن ذلك ، فإنّ «لولا» إذا دخل على الماضي أفاد التوبيخ ، وإذا دخل على المستقبل أفاد التحضيض.
(لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ) أبلغ من قوله : لبئس ما كانوا يعملون ، من حيث إنّ الصنع عمل الإنسان بعد تدرّب فيه وتروّ وتحرّي إجادة ، ولذلك ذمّ به خواصّهم ، ولأنّ ترك الحسبة أقبح من مواقعة المعصية ، لأنّ النفس تلتذّ بها وتميل إليها ، ولا كذلك ترك الإنكار عليها ، فكان جديرا بأبلغ الذمّ ، فترك النهي عن الكبيرة أعظم من ارتكابها.
وعن ابن عبّاس : هي أشدّ آية في القرآن. وعن الضحّاك : ما في القرآن آية
__________________
(١) التوبة : ٣٠.
(٢) آل عمران : ١١٤.