أخوف عندي منها.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) أي : مقبوضة عن العطاء ، ممسكة عن الرزق.
يعني : هو ممسك يقتر الرزق. وغلّ اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ، ومنه قوله تعالى (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) (١). ولا قصد فيه إلى إثبات يد وغلّ وبسط ، ولذلك يستعمل حيث لا يتصوّر ذلك ، كقوله :
جاد الحمى بسط اليدين بوابل |
|
شكرت نداه تلاعه ووهاده (٢) |
وقيل : معناه أنّه فقير ، كقوله : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) (٣).
(غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) دعاء عليهم بالبخل والنكد ، أو بالفقر والمسكنة ، ولذلك كانوا أبخل خلق الله وأرذلهم. ويجوز أن يكون دعاء عليهم بغلّ الأيدي حقيقة ، يغلّون في الدنيا أسارى ، وفي الآخرة في النار ، فتكون المطابقة من حيث اللفظ والأصل ، كقولهم : سبّني سبّ الله دابره ، أي : قطعه ، لأنّ السبّ أصله القطع. ويجوز أن يكون إخبارا بأنّهم ألزموا البخل وجعلوا بخلاء.
(وَلُعِنُوا بِما قالُوا) وأبعدوا عن رحمة الله ، وعذّبوا بهذه المقالة ، وليس الأمر على ما وصفوه (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) بل هو الجواد. وليس لذكر اليد هنا معنى غير إفادة معنى الجود. وثنّى اليد مبالغة في الردّ ونفي البخل عنه ، وإثباتا لغاية الجود ، فإنّ غاية ما يبذله السخيّ من ماله أن يعطيه بيديه ، وتنبيها على منح الدنيا
__________________
(١) الإسراء : ٢٩.
(٢) أي : أمطر السحاب أرض الحمى بمطر كثير فأنبتت وأزهرت ، فشكرته الأراضي المرتفعة والمنخفضة. فشبّه السحاب بإنسان كريم على سبيل المكنية ، وإثبات اليدين وبسطها تخييل. والوابل : المطر الشديد. والندى : الجود والفضل والخير. والتلعة : الأرض المرتفعة ، وجمعه : تلاع. والوهدة : الأرض المنخفضة ، وجمعه وهاد ولم نعلم قائل الشعر.
(٣) آل عمران : ١٨١.