والآخرة ، وعلى ما يعطى للاستدراج وما يعطى للإكرام.
(يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) تأكيد لذلك ، أي : هو مختار في إنفاقه ، يوسّع تارة ويضيّق أخرى على حسب حكمته ووفق مصلحته. ولا يجوز جعله حالا من الهاء ، للفصل بينهما بالخبر ، ولأنّها مضاف إليها ، ولا من اليدين ، إذ لا ضمير لهما فيه ، ولا من ضميرهما لذلك.
والآية نزلت في فنحاص بن عازوراء ، فإنّه قال ذلك لمّا كفّ الله تعالى عن اليهود ما بسط عليهم من السعة ، بشؤم تكذيبهم محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأشرك فيه الآخرون ، لأنّهم رضوا بقوله.
(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) أي : هم طاغون كافرون ، ويزدادون طغيانا وكفرا بما يسمعون من القرآن ، تماديا في الجحود ، وحسدا وكفرا بآيات الله تعالى ، فيضمّون كفرا إلى كفرهم ، كما يزداد المريض مرضا من تناول الغذاء الصالح للأصحّاء.
(وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) فلا تتوافق قلوبهم ، ولا تتطابق أقوالهم ، يعني : كلماتهم مختلفة وقلوبهم شتّى ، فلا تقع بينهم موافقة. (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ) هذا صلة «أوقدوا» ، أو صفة «نارا» (أَطْفَأَهَا اللهُ) يعني : كلّما أرادوا محاربة الرسول وأثاروا شرّا عليه ردّهم الله ، بأن أوقع بينهم منازعة كفّ بها عنه شرّهم.
وفي هذا دلالة على صحّة نبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّ اليهود كانوا في أشدّ باس وأمنع دار ، حتّى إنّ قريشا كانت تعتضد بهم ، وكان الأوس والخزرج تتكثّر بمظاهرتهم ، فذلّوا وقهروا ، وقتل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بني قريظة ، وأجلى بني النضير ، وغلب على خيبر وفدك ، فاستأصل الله شأفتهم ، حتّى إنّ اليوم تجد اليهود في كلّ بلدة أذلّ الناس.