أو المعنى : كلّما أرادوا حرب أحد غلبوا ، فإنّهم لمّا خالفوا حكم التوراة سلّط الله عليهم بختنصّر ، ثمّ أفسدوا فسلّط عليهم فطرس الرومي ، ثمّ أفسدوا فسلّط عليهم المجوس ، ثمّ أفسدوا فسلّط عليهم المسلمين.
(وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) أي : للفساد. وهو اجتهادهم في محو ذكر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من كتبهم ، وتكذيب رسالته ، ومخالفة أمره ونهيه ، وكيدهم في إثارة الفتن وتهييج الحرب وهتك المحارم (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) فلا يجازيهم إلّا شرّا.
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا) بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وبما جاء به (وَاتَّقَوْا) ما عددنا من معاصيهم ونحوه (لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) الّتي فعلوها ، ولم نؤاخذهم بها (وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) ولجعلناهم من الداخلين فيها.
وفيه تنبيه على عظم معاصيهم ، وكثرة ذنوبهم ، وأنّ الإسلام يجبّ ما قبله وإن جلّ ، وأنّ الكتابي لا يدخل الجنّة ما لم يسلم.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) أي : أقاموا أحكام التوراة والإنجيل ، وأذاعوا كلّ ما فيهما من حدودهما ، وما فيهما من نعت محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) يعني : سائر الكتب المنزلة ، لأنّهم كلّفوا الإيمان بجميعها ، فإنّها من حيث إنّهم مكلّفون بالإيمان بها كالمنزّل إليهم. وقيل : هو القرآن. وهو المأثور عن ابن عبّاس ، واختاره الجبائي.
(لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) أي : لوسّع الله عليهم أرزاقهم ، بأن يفيض عليهم بركات من السماء والأرض ، أو يكثر ثمرة الأشجار ، وغلّة الزروع ، أو يرزقهم الجنان اليانعة الثمار ، فيجتنونها من رأس الشجر ، ويلتقطون ما تساقط على الأرض. فبيّن الله تعالى بذلك أنّ ما كفّ عنهم بشؤم كفرهم ومعاصيهم لا لقصور الفيض ، ولو أنّهم آمنوا وأقاموا ما أمروا به لوسّع عليهم ، وجعل لهم خير الدارين.