القيامة ، فرقّ الناس وبكوا ، واجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي ، وهم : عليّ عليهالسلام ، وأبو بكر ، وعبد الله بن مسعود ، وأبو ذرّ الغفاري ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وعبد الله بن عمر ، والمقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ، ومعقل بن مقرن. واتّفقوا على أن يصوموا النهار ، ويقوموا الليل ، ولا يناموا على الفرش ، ولا يأكلوا اللحم ولا الودك (١) ، ولا يقربوا النساء والطيب ، ويلبسوا المسوح (٢) ، ويرفضوا الدنيا ، ويسيحوا في الأرض ، وهمّ بعضهم أن يجبّ مذاكيره.
فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأتى دار عثمان فلم يصادفه ، فقال لامرأته أمّ حكيم بنت أبي أميّة ـ واسمها حولاء ، وكانت عطّارة ـ : أحقّ ما بلغني عن زوجك وأصحابه؟
فكرهت أن تكذب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكرهت أن تبدي على زوجها ، فقالت : يا رسول الله إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك. فانصرف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فلمّا دخل عثمان أخبرته بذلك ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هو وأصحابه. فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ألم أنبئكم أنّكم اتّفقتم على كذا وكذا؟
قالوا : بلى يا رسول الله ، وما أردنا إلّا الخير.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّي لم أومر بذلك. ثمّ قال : إنّ لأنفسكم عليكم حقّا ، فصوموا وأفطروا ، وقوموا وناموا ، فإنّي أقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وآكل اللحم والدسم ، وآتي النساء ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي ، فنزلت.
ثمّ جمع الناس وخطبهم ، وقال : ما بال أقوام حرّموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا؟ أما إنّي لست آمركم أن تكونوا قسّيسين ورهبانا ، فإنّه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ، ولا اتّخاذ الصوامع ، وإنّ سياحة أمّتي الصوم ،
__________________
(١) الودك : الدسم من اللحم والشحم.
(٢) المسح : ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشّفا وتزهّدا ، وجمعه مسوح.