ورهبانيّتهم الجهاد. اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وحجّوا واعتمروا ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان ، واستقيموا يستقم لكم ، فإنّما هلك من كان قبلكم بالتشديد ، شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم ، فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع. فأنزل الله الآية.
وروي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال : «نزلت في عليّ عليهالسلام وبلال وعثمان بن مظعون. فأمّا عليّ عليهالسلام فإنّه حلف أن لا ينام بالليل أبدا إلّا ما شاء الله. وأمّا بلال فحلف أن لا يفطر بالنهار أبدا. وأمّا عثمان بن مظعون فإنّه حلف أن لا ينكح أبدا.
فأنزل الله تعالى هذه الآية في شأنهم.
ثمّ قال : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) لفظه الأمر والمراد به الإباحة. و «من» ابتدائيّة متعلّقة بـ «كلوا». ويجوز أن تكون مفعولا. (حَلالاً طَيِّباً) أي : مباحا لذيذا.
فإن قيل : إذا كان الرزق كلّه حلالا فلم قيّد هاهنا بقوله : «حلالا»؟
أجيب بأنّه حال مؤكّدة من الموصول ، فذكر هاهنا على وجه التأكيد. ويجوز أن يكون مصدرا بغير لفظ فعله ، من قبيل قولك : قعدت جلوسا حسنا ، فكأنّه قال : ممّا حلّل الله لكم حلالا طيّبا. فلا يرد قول البيضاوي (١) في تفسيره : «لو لم يقع الرزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة».
(وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) هذا استدعاء إلى التقوى بألطف الوجوه ، وتقديره : أيّها المؤمنون بالله لا تضيّعوا إيمانكم بالتقصير في التقوى ، فتكون عليكم الحسرة العظمى ، واتّقوا في تحريم ما أحلّه الله لكم ، وفي جميع معاصيه.
وفي هاتين الآيتين دلالة على كراهية التخلّي والتفرّد والتوحّش ، والخروج عمّا عليه الجمهور من التأهّل وطلب الولد وعمارة الأرض. وقد روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يأكل الدجاج والفالوذج ، وكان يعجبه الحلواء والعسل. وقال : «إنّ المؤمن حلو
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٢ : ١٦٦.