إلى هاهنا ، بيّن سبحانه ذلك المجمل بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) التقليل والتحقير في «بشيء» للتنبيه على أنّه ليس من العظائم الّتي تدحض الأقدام ، كالابتلاء ببذل الأنفس والأموال ، فمن لم يثبت عنده كيف يثبت عند ما هو أشدّ منه؟
روي أنّها نزلت في عام الحديبية ، ابتلاهم الله تعالى بالصيد ، وكانت الوحوش تغشاهم في رحالهم ، بحيث يتمكّنون من صيدها ، أخذا بأيديهم وطعنا برماحهم وهم محرمون.
(لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) أي : ليتميّز الخائف من عقابه وهو غائب منتظر ، لقوّة إيمانه ، ممّن لا يخافه ، لضعف قلبه وقلّة إيمانه. فذكر العلم وأراد وقوع المعلوم وظهوره ، أو تعلّق العلم. أو ليعاملكم معاملة من يطلب أن يعلم مظاهرة في العدل.
قال بعض العلماء : امتحن الله أمّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بصيد البرّ ، كما امتحن الله أمّة موسى عليهالسلام بصيد البحر.
والمراد بتحريم صيد البرّ الّذي تناله الأيدي من فراخ الطير وصغار الوحش والبيض ، والّذي تناله الرماح من كبار الصيد.
(فَمَنِ اعْتَدى) فمن تجاوز حدّ الله وخالف أمره بالصيد في الحرم أو في حال الإحرام (بَعْدَ ذلِكَ) أي : بعد ذلك الابتلاء بالصيد (فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) فالوعيد لا حق به ، فإنّ من لا يملك قلبه في مثل ذلك ، ولا يراعي حكم الله تعالى فيه ، فكيف به فيما تكون النفس أميل إليه وأحرص عليه؟! ثمّ ذكر سبحانه عقيب ذلك ما يجب على هذا الاعتداء من الجزاء ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ) هو اسم مصدر ، أو المصيد ، وهو المراد هاهنا