بذكر المسيح ، فقال بدلا (١) من يوم الجمع : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ) وهو على طريقة : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) (٢) ، فإنّ المستقبل المحقّق الوقوع في حكم الماضي.
والمعنى : أنّه تعالى يوبّخ الكفرة يومئذ بسؤال الرسل عن إجابتهم ، وتعديد ما أظهر عليهم من الآيات ، فكذّبتهم طائفة وسمّوهم سحرة ، وغلا آخرون فاتّخذوهم آلهة ، كما قال بعض بني إسرائيل لمّا أظهر على يد عيسى من البيّنات الباهرة والمعجزات الساطعة : (هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٣). واتّخذوه بعضهم وأمّه إلهين. ويجوز أنّه نصب بإضمار «اذكر».
ثمّ فسّر نعمته بقوله : (إِذْ أَيَّدْتُكَ) قوّيتك. وهو ظرف لـ «نعمتي» ، أو حال منه (بِرُوحِ الْقُدُسِ) بجبرئيل ، أو بالكلام الّذي يحيا به الدين أو النفس حياة أبديّة ، ويطهّر من الآثام. ويؤيّده قوله : (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) أي : كائنا في المهد وكهلا.
والمعنى : تكلّمهم في الطفوليّة والكهولة على سواء ، يعني : إلحاق حاله في الطفوليّة بحال الكهوليّة في كمال العقل والتكلّم. يعني : تكلّمهم في هاتين الحالتين من غير أن يتفاوت كلامك في حين الطفوليّة وحين الكهولة ، الذي هو وقت تمام العقل وبلوغ الأشدّ ، والحدّ الّذي يستنبأ فيه الأنبياء. وبه استدلّ على أنّه سينزل ، فإنّه رفع قبل أن يكتهل.
(وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ) وقيل : الكتابة يعني الخطّ (وَالْحِكْمَةَ) أي : علم الشريعة الّذي هو الكلام المحكم الصواب. وقيل : أراد الكتب ، فيكون اسم جنس.
__________________
(١) أي : جاعلا قوله هذا بدلا من قوله : «يوم يجمع».
(٢) الأعراف : ٤٤.
(٣) النمل : ١٣.