لأنّك خالق الرزق ومعطيه بلا عوض. وفي هذا دلالة على أنّ العباد يرزق بعضهم بعضا ، لأنّه لو لم يكن كذلك لم يصحّ أن يقال له سبحانه : أنت خير الرازقين ، كما لا يجوز أن يقال : أنت خير الآلهة ، لمّا لم يكن غيره سبحانه إلها.
(قالَ اللهُ) مجيبا له (إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) إجابة إلى سؤالكم. وقرأ أهل المدينة والشام وعاصم : منزّلها مشدّدا ، والباقون : منزلها مخفّفا. (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ) بعد إنزالها (مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً) أي : تعذيبا. ويجوز أن يجعل مفعولا به على السعة. (لا أُعَذِّبُهُ) الضمير للمصدر ، أو للعذاب إن أريد ما يعذّب به على حذف حرف الجرّ (أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) أي : من عالمي زمانهم ، أو العالمين مطلقا ، فإنّهم مسخوا قردة وخنازير ، ولم يعذّب مثل ذلك غيرهم.
عن ابن عبّاس : أنّ عيسى عليهالسلام قال لبني إسرائيل : صوموا ثلاثين يوما ثمّ أسألوا الله ما شئتم يعطيكموه. فصاموا ثلاثين يوما ، فلمّا فرغوا قالوا : يا عيسى إنّا صمنا وجعنا ، فادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء. فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها ، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات ، حتى وضعوها بين أيديهم ، فأكل منها آخر الناس كما أكل أوّلهم. وهو المرويّ عن أبي جعفر عليهالسلام.
وروى عطاء بن أبي رباح عن سلمان الفارسي أنّه قال : «لمّا سأل الحواريّون عيسى عليهالسلام أن ينزل عليهم المائدة لبس صوفا وبكى وقال : اللهمّ أنزل علينا مائدة.
فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين ، وهم ينظرون إليها وهي تهوي منقضّة حتّى سقطت بين أيديهم. فبكى عيسى عليهالسلام وقال : اللهمّ اجعلني من الشاكرين ، اللهمّ اجعلها رحمة ، ولا تجعلها مثلة وعقوبة. واليهود ينظرون إلى شيء لم يروا مثله قطّ ، ولم يجدوا ريحا أطيب من ريحه.
فقام عيسى عليهالسلام وتوضّأ وصلّى صلاة طويلة ، ثمّ كشف المنديل عنها وقال : بسم الله خير الرازقين ، فإذا هو سمكة مشويّة ، وليس عليها فلوسها ، تسيل سيلا من