عبادة غيره كلا عبادة ، فمن عبده مع عبادتها فكأنّه عبدهما ولم يعبده. أو القصور ، فإنّهم لم يعتقدوا أنّهما مستقلّان باستحقاق العبادة ، وإنّما زعموا أنّ عبادتهما توصل إلى عبادة الله تعالى ، وكأنّه قيل : اتّخذوني وأمّي إلهين متوصّلين بنا إلى الله.
(قالَ سُبْحانَكَ) أي : أنزّهك تنزيها من أن يكون لك شريك (ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) ما ينبغي لي أن أقول قولا لا يحقّ لي أن أقوله ، وأنا عبد مثلهم ، وإنّما تحقّ العبادة لك وحدك.
(إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي) ما أخفيه في نفسي كما تعلم ما أعلنه (وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) ما تخفيه من معلوماتك. وقوله : «في نفسك» للمشاكلة ، وإلّا فالله سبحانه منزّه عن أن تكون له نفس أو قلب تحلّ فيها المعاني ، وصنعة المشاكلة من فصيح الكلام. وقيل : المراد بالنفس الذّات.
(إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) تقرير للجملتين باعتبار منطوقه ومفهومه ، فإنّ ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب ، ولا ينتهي علم أحد إلى ما يعلمه سبحانه.
ثمّ صرّح عيسى بنفي المستفهم عنه بعد تقديم ما يدلّ عليه ، فقال : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) عطف بيان للضمير في «به» ، أو بدل منه ، وليس من شرط البدل جواز طرح المبدل منه مطلقا ، ليلزم منه بقاء الموصول بلا راجع. أو خبر مضمر أو مفعوله ، مثل : هو أو أعني. ولا يجوز إبداله من «ما أمرتني به» ، فإنّ المصدر لا يكون مفعول القول. ولا أن تكون «أن» مفسّرة ، لأنّ الأمر مسند إلى الله تعالى ، وهو سبحانه لا يقول : اعبدوا الله ربّي وربّكم ، والقول لا يفسّر ، بل الجملة تحكي بعده ، إلّا أن يؤوّل القول بالأمر ، فكأنّه قيل : ما أمرتهم إلّا ما أمرتني به أن اعبدوا الله.
(وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) رقيبا عليهم ، أمنعهم أن يقولوا ذلك ويعتقدوه ، أو مشاهدا لأحوالهم من كفر وإيمان (ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) بالرفع إلى السماء ،