لقوله : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ) (١). والتوفّي : أخذ الشيء وافيا ، والموت نوع منه.
قال الله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) (٢). (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) المراقب لأحوالهم ، فتمنعهم من القول به بما نصبت لهم من الأدلّة ، وأرسلت إليهم من الرسل ، وأنزلت عليهم من الآيات (وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) مطّلع عليه ، مراقب له.
(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) أي : فإنّك تعذّب من عبادك الّذين عبدوا غيرك ، وعصوا رسلك ، منكرين أنبياءك ، ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعل في ملكه (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) القادر على العقاب والثواب (الْحَكِيمُ) الّذي لا يفعلهما إلّا عن حكمة وصواب. هذا تسليم الأمر إلى مالكه ، وتفويض إلى مدبّره ، وتبرّء من أن يكون إليه شيء من أمور قومه ، كما يقول الواحد منّا إذا تبرّأ من تدبير أمر من الأمور ، ويريد تفويضه إلى غيره : هذا الأمر لا يدخل في تصرّفي ، فإن شئت فافعله ، وإن شئت فاتركه ، مع علمه وقطعه على أنّ أحد الأمرين لا يكون منه.
وقيل : إنّ المعنى : إن تعذّبهم فبإقامتهم على كفرهم ، وإن تغفر لهم فبتوبة كانت لهم ، فكأنّه اشترط التوبة وإن لم يكن الشرط ظاهرا في الكلام. أو المعنى : إن المغفرة مستحسنة عقلا لكلّ مجرم ، وكلّما كان الجرم أعظم فالعفو عنه أحسن عقلا ، فإن عذّبت فعدل ، وإن غفرت ففضل. وعدم غفران الشرك بمقتضى الوعيد ، فلا امتناع فيه لذاته ليمتنع الترديد والتعليق بـ «إن».
(قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) وقرأ نافع : يوم بالنصب ، على أنّه ظرف لـ «قال» ، وخبر «هذا» محذوف ، أو ظرف مستقرّ وقع خبرا.
__________________
(١) آل عمران : ٥٥.
(٢) الزمر : ٤٢.