بالليل ، فإنّ جميع الأجرام فيه مظلمة ، وتارة بالخسوف والكسوف ، وتارة بالسحاب المتراكم مع الرعد ، وتارة بالبحر ، وتارة بالظلّ ، فإنّ ما من جنس من أجناس الأجرام إلّا وله ظلّ ، بخلاف النور ، فإنّه من جنس واحد ، وهو النار. أو لأنّ المراد بالظلمة الضلال ، وبالنور الهدى ، والهدى واحد ، والضلال متعدّد. وتقديمها لتقدّم الأعدام على الملكات.
ثمّ عجب سبحانه ممّن جعل له شريكا ، مع ما يرى من الآيات الدالّة على وحدانيّته ، فقال : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) جحدوا الحقّ (بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ). معنى «ثمّ» استبعاد عدولهم بعد هذا البيان.
وهذا عطف على قوله : «الحمد لله» ، على معنى : أنّ الله حقيق بالحمد على ما خلقه نعمة على العباد ، ثمّ الّذين كفروا به يعدلون ، فيكفرون نعمته. ويكون «بربّهم» تنبيها على أنّه خلق هذه الأشياء أسبابا لتكوّنهم وتعيّشهم ، فمن حقّه أن يحمد عليها ولا يكفر.
أو على قوله : «خلق» ، على معنى : أنّه خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه ، ثمّ هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه.
والباء على الأوّل متعلّقة ، بـ «كفروا» ، وصلة «يعدلون» محذوفة ، أي : يعدلون عنه ، ليقع الإنكار على نفس العدول. وعلى الثاني متعلّقة بـ «يعدلون». والمعنى : أنّ الكفّار يسوّون به غيره ، بأن جعلوا له أندادا من الأوثان. مأخوذ من قولهم : ما أعدل بفلان أحدا ، أي : لا نظير له عندي.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) أي : ابتدأ خلقكم منه ، فإنّه المادّة الأولى ، وإنّ آدم الّذي هو أصل البشر خلق منه. أو خلقءاباءكم ، فحذف المضاف. (ثُمَّ قَضى أَجَلاً) كتب وقدّر أجل الموت (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) أجل القيامة. وقيل : الأوّل ما بين الخلق والموت ، والثاني ما بين الموت والبعث ، وهو البرزخ ، فإنّ الأجل كما