(قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) ممّا اقترحوه ، أو آية تضطرّهم إلى الإيمان كنتق الجبل ، أو آية إن جحدوها هلكوا (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أنّ الله قادر على إنزالها ، وأنّ الصارف من الحكمة يصرفه عن إنزالها ، وأنّ إنزالها يستجلب عليهم البلاء ، وأنّ لهم فيما أنزل مندوحة عن غيره. وقرأ ابن كثير : ينزل بالتخفيف. والمعنى واحد.
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨))
ولمّا بيّن سبحانه أنّه قادر على أن ينزل آية ، عقّبه بذكر ما يدلّ على كمال قدرته وحسن تدبيره وحكمته ، فقال : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) تدبّ على وجهها (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) في الهواء. وصفه به قطعا لمجاز السرعة ونحوها.
وفي الكشّاف (١) : فائدة ذكر قوله : «في الأرض» وقوله : «يطير بجناحيه» زيادة التعميم والإحاطة ، كأنّه قيل : وما من دابّة قطّ في جميع الأرضين السبع ، وما من طائر قطّ في جوّ السماء ، ومن جميع ما يطير بجناحيه (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) محفوظة أحوالها ، مقدّرة أرزاقها وآجالها ، كما كتبت أرزاقكم وآجالكم وأعمالكم.
وقيل : أشباهكم في أنّ الله أبدعها ، وفي دلالتها على وحدانيّته ، وفي أنّهم يموتون ويحشرون. وجمع الأمم للحمل على المعنى ، فإنّ النكرة في سياق النفي مفيدة للاستغراق ، مغن أن يقال : وما من دوابّ ولا طير. والمقصود من ذلك الدلالة على كمال قدرته ، وشمول علمه ، وسعة تدبيره في تلك الخلائق المتقاربة الأجناس المتكاثرة الأصناف ، وحفظه لما لها وعليها ، واطّلاعه على أحوالها ، لا يشغله شأن
__________________
(١) الكشّاف ٢ : ٢١.