المخاوف ، كقوله تعالى : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) (١).
واستمتاعهم بالإنس اعترافهم بأنّهم يقدرون على تخليصهم وإجارتهم.
(وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) أي : يوم البعث. وهو اعتراف بما فعلوه من طاعة الشيطان ، واتّباع الهوى ، وتكذيب البعث ، وتحسّر على حالهم.
(قالَ) أي : قال الله تعالى لهم (النَّارُ مَثْواكُمْ) مقامكم ومنزلكم ، أو ذات مثواكم (خالِدِينَ فِيها) مؤبّدين. وهو حال ، والعامل فيها «مثواكم» إن جعل مصدرا ، ومعنى الإضافة إن جعل مكانا. (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) من الأوقات الّتي ينقلون فيها من النار إلى الزمهرير ، فقد روي أنّهم يدخلون واديا فيه من الزمهرير ما يميّز بعض أوصالهم من بعض ، فيتعاوون ويطلبون الردّ إلى الجحيم. أو إلّا ما شاء الله قبل الدخول ، كأنّه قيل : النار مثواكم أبدا ، إلّا ما أمهلكم من أوقات حشركم من قبوركم ، ومقدار مدّتكم ومحاسبتكم.
(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ) في أفعاله ، لا يفعلها إلّا بموجب الحكمة (عَلِيمٌ) بأعمال الثقلين وأحوالهم.
(وَكَذلِكَ) أي : ومثل ذلك المهل بتخلية بعضهم مع بعض (نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) نخلّيهم حتّى يتولّى بعضهم بعضا ، كما فعل الشياطين وغواة الناس. أو نجعل بعضهم أولياء بعض وقرناءهم في العذاب ، كما كانوا في الدنيا.
(بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) بسبب ما كسبوا من الكفر والمعاصي.
ويقال لهم يوم القيامة على جهة التوبيخ : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) الرسل من الإنس خاصّة ، لكن لمّا جمع الثقلان في الخطاب صحّ ذلك وإن كان من أحدهما. ونظيره : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) (٢) ، وإن كان اللؤلؤ
__________________
(١) الجنّ : ٦.
(٢) الرحمن : ٢٢.