يخرج من الملح دون العذب. وتعلّق قوم بظاهره وقالوا : بعث إلى كلّ من الثقلين رسل من جنسهم. وقيل : الرسل من الجنّ رسل الرسل إليهم ، لقوله : (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) (١).
وعن الكلبي : كانت الرسل قبل أن يبعث محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم يبعثون إلى النّاس ، ثمّ بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الإنس والجنّ.
(يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي) يتلون عليكم حججي ودلائلي (وَيُنْذِرُونَكُمْ) ويخوّفونكم (لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) يعني : يوم القيامة.
(قالُوا) جوابا (شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) بالجرم والعصيان. وهو اعتراف منهم بأنّ حجّة الله لازمة لهم ، وبكفرهم واستيجاب العذاب لهم. (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) ذمّ لهم على سوء نظرهم وخطأ رأيهم ، فإنّهم اغترّوا بالحياة الدنيويّة واللذّات الخسيسة ، وأعرضوا عن الآخرة بالكلّية ، حتّى كان عاقبة أمرهم أن اضطرّوا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر ، والاستسلام للعذاب المخلّد ، تحذيرا للسامعين من مثل حالهم.
ولا ينافي الآية قوله : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٢) ، لتفاوت الأحوال والمواطن في ذلك اليوم المتطاول ، فيقرّون في بعضها ، ويجحدون في البعض. أو أريد شهادة أيديهم وأرجلهم وجلودهم حين يختم على أفواههم.
ولمّا كانت الشهادة الأولى حكاية لقولهم كيف يعترفون على أنفسهم ، والثانية ذمّ لهم وتخطئة لرأيهم ، ووصف لقلّة نظرهم لأنفسهم ، وأنّهم قوم غرّتهم الحياة الدنيا واللذّات الحاضرة ، وعاقبة حالهم اضطرارهم إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر ، فلا يلزم تكرار الشهادة.
__________________
(١) الأحقاف : ٢٩.
(٢) الأنعام : ٢٣.