وقد غلط في ذلك ، بأن رأى الفضل كلّه باعتبار العنصر ، وغفل عمّا يكون باعتبار الفاعل ، كما أشار إليه بقوله : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (١) ، أي : بغير واسطة. وباعتبار الصورة ، كما نبّه عليه بقوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (٢). وباعتبار الغاية ، وهو فضله من حيث علومه الجمّة ، ولذلك أمر الملائكة بسجوده لمّا بيّن لهم أنّه أعلم منهم ، وأنّ له خواصّ ليست لغيره.
والآية دليل على الكون والفساد ، وأنّ الشياطين أجسام كائنة. ولعلّ إضافة خلق الإنسان إلى الطين والشيطان إلى النار باعتبار الجزء الغالب.
(قالَ فَاهْبِطْ) فانزل وانحدر (مِنْها) من السماء ، أو الجنّة ، أو عن الدرجة الشريفة الرفيعة الّتي للمطيعين إلى الدرجة الدنيّة الوضيعة الّتي للعاصين. (فَما يَكُونُ لَكَ) فما يصحّ لك (أَنْ تَتَكَبَّرَ) عن أمر الله (فِيها) وتعصي ، فإنّها مكان الخاشع والمطيع ، وليست بموضع المتكبّرين ، وإنّما موضعهم النار ، كما قال : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) (٣). وفيه تنبيه على أنّ التكبّر لا يليق بأهل الجنّة ، وأنّه تعالى إنّما طرده وأهبطه للتكبّر لا لمجرّد عصيانه.
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من تواضع رفعه الله ، ومن تكبّر وضعه الله».
(فَاخْرُجْ) من المكان الّذي أنت فيه (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) ممّن أهانه الله ووضعه لكبره. وهذا الكلام إنّما صدر من الله سبحانه على لسان بعض الملائكة.
والآية لا تدلّ على أنّه يجوز التكبّر في غير الجنّة ، فإنّ التكبّر لا يجوز على حال ، لأنّه إظهار كبر النفس على جميع الأشياء ، وهذا في صفة العباد ذمّ ، وفي صفة الله مدح ، إلّا أنّ إبليس تكبّر على الله في الجنّة فأخرج منها قسرا ، ومن تكبّر خارج الجنّة منع من ذلك بالأمر وبالنهي. ويؤيّده قوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها
__________________
(١) ص : ٧٥.
(٢) الحجر : ٢٩.
(٣) الزمر : ٦٠.