لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) (١).
(قالَ أَنْظِرْنِي) أمهلني وأخّرني في الأجل (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) إلى يوم القيامة ، فلا تمتني ، أو لا تعجّل عقوبتي.
(قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) ظاهره يقتضي الإجابة إلى ما سأله ، لكنّه محمول على ما جاء مقيّدا بقوله : (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (٢). وهو النفخة الأولى ، أو وقت يعلم الله تعالى انتهاء أجله. وفي إنجاح مسئوله ابتلاء العباد ، وتعريضهم للثواب بمخالفتهم إيّاه. وحكمه حكم ما خلق في الدنيا من صنوف الزخارف ، وأنواع الملاذّ والملاهي ، وما ركّب في الأنفس من الشهوات ليمتحن بها عباده.
(قالَ) بعد الإمهال (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) بسبب إغوائك إيّاي. والباء متعلّقة بفعل القسم المحذوف لا بـ «أقعدنّ» ، فإن اللّام تصدّ عنه. وقيل : الباء للقسم. فعلى الأوّل الباء للسببيّة ، والمقسم والمقسم عليه مقدّر. والتقدير : أحلف بالله بسبب إغوائك إيّاي. وعلى الثاني ، تقديره : أقسم بإغوائك إيّاي.
والمراد بالإغواء تكليفه سبحانه إيّاه ما وقع به في الغيّ ، ولم يثبت عليه كما ثبتت الملائكة.
وقيل : معناه : بسبب أمرك إيّاي بالسجود ، فحملتني به الأنفة والاستنكاف على معصيتك ، فتسبّب وقوعي في الغيّ. أو بما خيّبتني من رحمتك وجنّتك. أو بما حكمت بغوايتي ، كما يقال : أضللتني ، أي : حكمت بضلالتي. أو بما أهلكتني بلعنتك إيّاي ، كما في قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (٣) أي : هلاكا. وقالوا : غوى الفصيل إذا فقد اللبن فمات. والمصدر غوى مقصورا.
ولا يبعد أن يكون إبليس قد اعتقد أنّ الله تعالى يغوي الخلق ، بأن يضلّهم ، ويكون ذلك من جملة ما كان اعتقده من الشرّ. وعلى هذا يكون الإغواء على
__________________
(١) القصص : ٨٣.
(٢) الحجر : ٣٨.
(٣) مريم : ٥٩.