حقيقته. وقيل : «ما» استفهاميّة ، كأنّه قيل : بأيّ شيء أغويتني؟
ثمّ ابتدأ فقال : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) لأولاد آدم ترصّدا بهم ، كما يقعد القطّاع على الطريق ليقطعه على المارّة (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) طريق الإسلام. ونصبه على الظرف. وقيل : تقديره : على صراطك ، كقولهم : ضرب زيد الظهر والبطن. والمعنى : لأجتهدنّ في إغوائهم حتّى يفسدوا بسببي ، كما فسدت بسببهم.
(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) أي : من جميع الجهات الأربع ، مثل قصده إيّاهم بالتسويل والإضلال من أيّ وجه يمكنه ، بإتيان العدوّ من الجهات الأربع في الغالب ، ولذلك لم يقل : من فوقهم ومن تحت أرجلهم.
وقيل : لم يقل : من فوقهم ، لأنّ الرحمة تنزل منه. ولم يقل : من تحتهم ، لأنّ الإتيان منه يوحش الناس.
وعن ابن عبّاس : من بين أيديهم من قبل الآخرة ، ومن خلفهم من قبل الدنيا ، وعن أيمانهم وعن شمائلهم من جهة حسناتهم وسيّئاتهم.
والمعنى : أنّي أزيّن لهم الدنيا ، وأخوّفهم بالفقر ، وأقول لهم : لا جنّة ولا نار ، ولا بعث ولا حساب ، وأثبّطهم عن الحسنات ، وأشغلهم عنها ، وأحبّب إليهم السيّئات ، وأحثّهم عليها.
وقيل : من بين أيديهم من حيث يعلمون ويقدرون على التحرّز عنه ، ومن خلفهم من حيث لا يعلمون ولا يقدرون ، وعن أيمانهم وعن شمائلهم من حيث يتيسّر لهم أن يعلموا ويتحرّزوا ، ولكن لم يفعلوا لعدم تيقّظهم واحتياطهم.
وعن الباقر عليهالسلام أنّه قال : (لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) معناه : أهوّن عليهم أمر الآخرة.
(وَمِنْ خَلْفِهِمْ) آمرهم بجمع الأموال ، والبخل بها عن الحقوق ، لتبقى لورثتهم. (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة وتحسين الشبهة.
(وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) بتحبيب اللذّات إليهم ، وتغليب الشهوات على قلوبهم». وهذا قريب من قول ابن عبّاس.