بوسوسته أن يسوأهما بانكشاف عورتهما ، وذلك لعلمه أنّ من أكل هذه الشجرة بدت عورته ، وأنّ من بدت عورته لا يترك في الجنّة ، ولهذا عبّر عنهما بالسوءة ، فقال : (ما وُورِيَ) ما غطّي (عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) عوراتهما. والمواراة جعل الشيء وراء ما يستره. وإنّما لم تقلب الواو المضمومة همزة في المشهور ، كما قلبت في «أو يصل» تصغير «واصل» ، لأنّ الثانية مدّة. وفيه دليل على أنّ كشف العورة من عظائم الأمور ، وأنّه لم يزل مستهجنا في الطباع ، مستقبحا في العقول.
(وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا) أي : كراهة أن تكونا (مَلَكَيْنِ) يعني : أنّه أوهمهما أنّهما إذا أكلا من هذه الشجرة تغيّرت صورتهما إلى صورة الملك. (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) الّذين لا يموتون ، أو يخلدون في الجنّة.
واستدلّ به على فضل الملائكة على الأنبياء. وجوابه : إنّما كانت رغبتهما في أن يحصل لهما ما للملائكة من الكمالات الفطريّة ، والاستغناء عن الأطعمة والأشربة ، وذلك لا يدلّ على فضلهم مطلقا ، فإنّ الثواب إنّما يستحقّ على الطاعات دون الصور والهيئات. ولا يمتنع أن يكونا رغبا في صور الملائكة وهيئاتها ، ولا يكون ذلك رغبة في الثواب ولا الفضل. ألا ترى أنّهما رغبا في أن يكونا من الخالدين؟ وليس الخلود ممّا يقتضي مزيّة في الثواب ولا الفضل.
(وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) أي : أقسم لهما على أنّه من المخلصين النصيحة في دعائهما إلى التناول من هذه الشجرة ، أي : اجتهد في النصيحة اجتهاد المقاسم ، وإخراجه على صورة المفاعلة للمبالغة. وقيل : اقسم لهما بالنصيحة ، وأقسما له بقبولها ، فجعل ذلك مقاسمة.
(فَدَلَّاهُما) فنزّلهما إلى الأكل من الشجرة ، من تدلية الدلو ، وهو إرسالها في البئر. نبّه به على أنّه أهبطهما بذلك من درجة عالية إلى رتبة سافلة ، فإنّ التدلية