يربح. وهذا نهي تنزيه لا تحريم عندنا ، لأنّ الأنبياء معصومون منزّهون عن ارتكاب القبائح ، لكن قالا ذلك على عادة أولياء الله في استعظام الزلّات ، واستصغار العظيم من الحسنات.
روي أنّ الله سبحانه قال لآدم : ألم يكن لك فيما منحتك من شجر الجنّة مندوحة ـ أي : كافية ـ عن هذه الشجرة؟ فقال : بلى وعزّتك ، لكن ما ظننت أنّ أحدا من خلقك يحلف بك كاذبا. قال : فبعزّتي لأهبطنّك إلى الأرض ، ثمّ لا تنال العيش إلّا كدّا. فأهبط ، وعلّم صنعة الحديد ، وأمر بالحرث ، فحرث وسقى وحصد وداس وذرى وعجن وخبز.
(قالَ اهْبِطُوا) الخطاب لآدم وحوّاء وإبليس. كرّر الأمر ليعلم أنّهم قرناء أبدا (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) في موقع الحال ، أي : متعادين ، يعاديهما إبليس ويعاديانه (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) استقرار ، أي : موضع استقرار (وَمَتاعٌ) وتمتّع وانتفاع بعيش (إِلى حِينٍ) إلى تقضّي آجالكم.
(قالَ فِيها تَحْيَوْنَ) تعيشون (وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ) عند البعث للجزاء.
وقرأ حمزة والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر ويعقوب : تخرجون بفتح التاء وضمّ الراء.
قال الجبائي : في الآية دلالة على أنّ الله سبحانه يخرج العباد يوم القيامة من هذه الأرض الّتي حيوا فيها بعد موتهم ، وأنّه يفنيها بعد أن يخرج العباد منها في يوم الحشر ، وإذا أراد إفناءها زجرهم عنها زجرة فيصيرون إلى أرض أخرى يقال لها : الساهرة ، وتفنى هذه ، كما قال : (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) (١).
__________________
(١) النازعات : ١٤.