(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) لا يمتحننّكم ، بأن يمنعكم دخول الجنّة بإغوائه وإضلاله إيّاكم عن الدين (كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) كما محن أبويكم ، بأن أخرجهما منها. والنهي لفظا للشيطان ، والمراد نهيهم عن اتّباعه والافتتان به.
(يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) حال من «أبويكم» أو من فاعل «أخرج». وإسناد النزع إليه للتسبّب ، أي : أخرجهما نازعا لباسهما ، بأن كان سببا في أن ينزع عنهما.
(إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) عطف على الضمير في «يراكم» المؤكّد بـ «هو».
والضمير في «إنّه» ضمير الشأن. (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) فيغتالكم من حيث لا تشعرون. وهذا تعليل للنهي ، وتأكيد للتحذير من فتنته. وقبيله : جنوده.
عن ابن عبّاس : إنّ الله جعلهم يجرون من بني آدم مجرى الدم ، وصدور بني آدم مساكن لهم ، كما قال تعالى : (يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) (١). فهم يرون بني آدم ، وبنو آدم لا يرونهم.
وعن قتادة ومالك بن دينار : والله إن عدوّا يراك ولا تراه لشديد المؤونة ، إلّا من عصم الله. وإنّما لا يراهم البشر لأنّ أجسامهم شفّافة لطيفة ، تحتاج رؤيتها إلى فضل شعاع.
وقال : أبو الهذيل : يجوز أن يمكّنهم الله تعالى فيتكشّفوا ، فيراهم حينئذ من يحضرهم. وإليه ذهب عليّ بن عيسى. قال : إنّهم ممكّنون من ذلك. وهو الّذي نصره الشيخ المفيد أبو عبد الله رحمهالله. وقال الشيخ أبو جعفر قدسسره : وهو الأقوى عندي.
(إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) خلّينا بينهم ، لم نكفّهم عنهم حتّى تولّوهم وأطاعوهم فيما سوّلوا لهم من مخالفة الله. وهذا تحذير آخر
__________________
(١) الناس : ٥.