أبلغ من الأوّل.
(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) فعلة متناهية في القبح ، كعبادة الصنم وكشف العورة في الطواف ، فنهوا عنه (قالُوا) في جواب الناهي (وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) اعتذروا واحتجّوا بأمرين : تقليد الآباء ، والافتراء على الله. فأعرض عن الأوّل ، لظهور فساده ، وردّ الثاني بقوله : (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) لأنّ فعل القبيح مستحيل عليه ، لعدم الداعي ، ووجود الصارف ، فكيف يأمر بفعله؟ (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) إنكار لإضافتهم القبيح إليه ، وشهادة عليهم بالجهل ، متضمّنا للنهي عن الافتراء على الله تعالى.
عن الحسن : إنّ الله بعث محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى العرب وهم قدريّة مجبّرة يحملون ذنوبهم على الله. وتصديقه قول الله تعالى : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) إلى قوله : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) بالعدل. وهو الوسط من كلّ أمر ، المتجافي عن طرفي الإفراط والتفريط ، يشهد العقل المستقيم أنّه حقّ حسن. وقيل : هو التوحيد.
(وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ) أي : وقل توجّهوا إلى عبادته ، واقصدوها مستقيمين ، غير عادلين إلى غيرها. أو أقيموها نحو القبلة. (عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) في كلّ وقت سجود أو مكانه ، وهو الصلاة ، أو في أيّ مسجد حضرتكم الصلاة ، ولا تقولوا حتى نرجع إلى مسجدنا. أو اقصدوا المسجد في وقت كلّ صلاة أمر بالجماعة لها ندبا عند الأكثرين ، وحتما عند الأقلّين.
(وَادْعُوهُ) واعبدوه (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي : الطاعة ، مبتغين بها وجهه خالصا ، فإنّ إليه مصيركم لا غير (كَما بَدَأَكُمْ) كما أنشأكم ابتداء (تَعُودُونَ) بإعادته ، فيجازيكم على أعمالكم ، فإنّه ليس بعثكم أشدّ من ابتدائكم. احتجّ عليهم في إنكارهم الإعادة بابتداء الخلق. والمعنى : أنّه يعيدكم فيجازيكم على أعمالكم ، فأخلصوا له العبادة. وإنّما شبّه الإعادة بالإبداء تقريرا لإمكانها والقدرة عليها.