(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) استوى أمره ، أو استولى على خلق العرش.
وقيل : إنّ الاستواء على العرش صفة لله تعالى بلا كيف. والمعنى : أنّ له تعالى استواء على العرش على الوجه الّذي عناه منزّها عن الاستقرار والتمكّن ، كما روي عن مالك بن أنس أنّه قال : الاستواء غير مجهول ، وكيفيّته غير معلومة ، والسؤال عنه بدعة.
والعرش : الجسم المحيط بسائر الأجسام. سمّي به لارتفاعه ، أو للتشبيه بسرير الملك ، فإنّ الأمور والتدابير تنزل منه. وقيل : الملك ، أي : استوى واستولى أمره على ملكه.
(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) يغطّيه به. ولم يذكر عكسه ، لأنّ الكلام يدلّ عليه.
وقد ذكر في موضع آخر : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) (١). وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر عن عاصم بالتشديد فيه وفي الرعد (٢) ، للدلالة على التكرير. (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) يعقّبه سريعا ، بأن يأتي أحدهما عقيب الآخر ، كما يأتي الشيء في اثر الشيء طالبا له على وجه لا يفصل بينهما شيء. والحثيث فعيل من الحثّ. وهو صفة مصدر محذوف ، أو حال من الفاعل بمعنى : حاثّا ، أو المفعول بمعنى : محثوثا ، أو منهما.
(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ) مذلّلات جاريات في مجاريهنّ (بِأَمْرِهِ) أي : بمشيئته وتدبيره وتصريفه. وسمّى ذلك أمرا على التشبيه ، كأنّهنّ مأمورات بذلك. ونصبها بالعطف على «السماوات». ونصب «مسخّرات» على الحال. وقرأ ابن عامر كلّها بالرفع على الابتداء والخبر.
ولمّا ذكر أنّه خلقهنّ مسخّرات بأمره قال : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) فإنّه
__________________
(١) الزمر : ٥.
(٢) الرعد : ٣.