الطوفان. أو حال من الموصول ، أو من الضمير في «معه».
(وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) بالطوفان (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ) أي : عمي القلوب غير مستبصرين. يقال : رجل عم ، إذا كان أعمى القلب ، ورجل أعمى في البصر. وأصله عميين فخفّف. والفرق بين العمى والعامي : أنّ العمى يدلّ على عمى ثابت ، والعامي على عمى حادث.
وفي حديث وهب بن منبّه : «أنّ نوحا عليهالسلام كان أوّل نبيّ نبّأه عزوجل بعد إدريس ، وكان إلى الأدمة ما هو (١) ، دقيق الوجه ، في رأسه طول ، عظيم العينين ، دقيق الساقين ، طويلا جسيما. دعا قومه إلى الله حتّى انقرضت ثلاثة قرون منهم ، كلّ قرن ثلاثمائة سنة ، يدعوهم سرّا وجهرا فلا يزدادون إلّا طغيانا ، ولا يأتي منهم قرن إلّا كان أعتى (٢) على الله من الّذين قبلهم.
وكان الرجل منهم يأتي بابنه وهو صغير فيقيمه على رأس نوح فيقول : يا بنيّ إن بقيت بعدي فلا تطيعنّ هذا المجنون. وكانوا يثورون إلى نوح فيضربونه حتّى يسيل مسامعه دما ، وحتّى لا يعقل شيئا ممّا يصنع به ، فيحمل فيرمى به في بيته أو على باب داره مغشيّا عليه.
فأوحى الله تعالى إليه : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) (٣). فعندها أقبل على الدعاء عليهم ، ولم يكن دعا عليهم قبل ذلك ، فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (٤) إلى آخر السورة. فأعقم الله تعالى أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فلبثوا أربعين سنة لا يولد لهم ولد ، وقحطوا في تلك الأربعين سنة حتّى هلكت أموالهم ، وأصابهم الجهد والبلاء.
__________________
(١) أي : قريبا إلى الأدمة.
(٢) من : عتى عتوّا ، استكبر وعصى وجاوز الحدّ.
(٣ ، ٤) هود : ٣٦.