من الأمر بإخراجه ومن معه من المؤمنين من قريتهم ، والاستهزاء بهم. فقالوا استهزاء وافتخارا بما كانوا فيه من القذرات : (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) أي : من الفواحش والخبائث.
(فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ) فخلّصنا لوطا ومن آمن معه (إِلَّا امْرَأَتَهُ) فإنّها كانت تسرّ الكفر موالية لأهل سدوم (كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) من الّذين غبروا في ديارهم ، أي : بقوا فيها. والتذكير لتغليب الذكور. روي أنّها التفتت فأصابها الحجر فماتت.
(وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) أي : نوعا من المطر عجيبا ، وهو مبيّن بقوله : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (١). (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) تفكّر بعين العقل كيف كان مآل أمر المقترفين للسيّئات؟ وعاقبة فعلهم من عذاب الدنيا بالاستئصال قبل عذاب الآخرة بالخلود في النار.
وتحرير قصّتهم على ما روي عن أبي حمزة الثمالي وأبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام وغيره : أنّ لوطا لمّا هاجر مع عمّه إبراهيم إلى الشام نزل بالأردن ، فأرسله الله إلى أهل سدوم ليدعوهم إلى الله ، وينهاهم عمّا اخترعوه من الفاحشة.
فلبث في قومه ثلاثين سنة ، وكان نازلا فيهم ، ولم يكن منهم ، يدعوهم إلى الله ، وينهاهم عن الفواحش ، ويحثّهم على الطاعة ، فلم يجيبوه ، ولم يطيعوه.
وكانوا لا يتطهّرون من الجنابة ، بخلاء أشحّاء على الطعام ، فأعقبهم البخل الداء الّذي لا دواء له في فروجهم. وذلك أنّهم كانوا على طريق السيّارة إلى الشام ومصر ، وكان ينزل بهم الضيفان ، فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضيف فضحوه ، وإنّما فعلوا ذلك لتنكل النازلة عليهم ، من غير شهوة بهم إلى ذلك.
فأوردهم البخل هذا الداء ، حتى صاروا يطلبونه من الرجال ، ويعطون عليه الجعل.
وكان لوط سخيّا كريما يقري الضيف إذا نزل به ، فنهوه عن ذلك وقالوا : لا
__________________
(١) الحجر : ٧٤.