ثمّ عطف الله سبحانه على ما تقدّم من القصص قصّة شعيب ، فقال : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) أي : وأرسلنا إليهم. وهم أولاد مدين بن إبراهيم عليهالسلام ، فنسبت القبيلة إليه. قال عطاء : هو شعيب بن توبة بن مدين بن إبراهيم. وقال قتادة : هو شعيب بن بويب. وقال ابن إسحاق : هو شعيب بن ميكيل بن يشحب بن مدين.
وكان يقال له خطيب الأنبياء ، لحسن مراجعته قومه.
(قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي : معجزة من عند ربّكم شاهدة بصحّة نبوّتي ، أوجبت عليكم الإيمان. وليس في القرآن أنّها ما هي ، كما لم تذكر أكثر معجزات الأنبياء فيه ، ولكن قد وقع العلم بأنّه كانت له معجزة تشهد له وتصدّقه ، وإلّا لم تصحّ دعواه. وكان متنبّئا لا نبيّا. وما روي من أنّ معجزاته هي محاربة عصا موسى التنّين (١) حين دفع إليه غنمه ، وولادة الغنم الّتي دفعها إليه الدرع (٢) خاصّة حين وعده أن يكون له الدرع من أولادها ، ووقوع عصا آدم على يده في المرّات السبع ، متأخّر (٣) عن هذه المقاولة. ويحتمل أن تكون كرامة لموسى عليهالسلام ، أو إرهاصا (٤) لنبوّته.
(فَأَوْفُوا الْكَيْلَ) أي : آلة الكيل على الإضمار ، وهي المكيال. أو إطلاق الكيل على المكيال ، كالعيش على المعاش ، وهو ما يعاش به ، لقوله (وَالْمِيزانَ) كما قال في سورة هود : (أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) (٥). أو أوفوا الكيل ووزن الميزان. ويجوز أن يكون الميزان مصدرا ، كالميعاد والميلاد.
__________________
(١) التنّين : الحيّة العظيمة.
(٢) الدرع جمع الأدرع ، وهو من الفرس والشاة ما اسودّ رأسه وابيضّ سائر جسده.
(٣) خبر «وما روي ...» قبل ثلاثة أسطر.
(٤) الإرهاص : ما يصدر من النبيّ من خوارق العادة قبل دعوى النبوّة.
(٥) هود : ٨٥.