(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) ولا تنقصوهم حقوقهم. وإنّما قال : «أشياءهم» للتعميم ، تنبيها على أنّهم كانوا يبخسون الجليل والحقير والقليل والكثير. وقيل : كانوا مكّاسين (١) ، لا يدعون شيئا إلّا مكسوه.
(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالكفر والبخس وغيرهما (بَعْدَ إِصْلاحِها) بعد ما أصلح الصالحون أمرها. أو أهلها من الأنبياء وأتباعهم العاملين بالشرائع. أو أصلحوا فيها. والإضافة إليها كالإضافة في (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (٢) أي : مكركم في الليل والنهار.
(ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) إشارة إلى ما ذكر من الوفاء بالكيل والميزان وترك البخس والإفساد في الأرض. أو إلى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه. ومعنى الخيريّة إمّا الزيادة مطلقا ، أو في الإنسانيّة وحسن الأحدوثة ، وما تطلبونه من الربح ، لأنّ الناس إن عرفوا منكم النصفة والأمانة رغبوا في متاجرتكم.
(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) مصدّقين لي في قولي.
(وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ) بكلّ منهاج من مناهج الدين ، مشبّهين بالشيطان في قوله : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (٣). (تُوعِدُونَ) تخوّفون بالقتل والضرب والحبس. وصراط الحقّ وإن كان واحدا ، كقوله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٤) ، لكنّه يتشعّب إلى معارف وحدود وأحكام ، فلهذا قال : بكلّ صراط. وكانوا إذا رأوا أحدا يسعى في شيء منها منعوه.
__________________
(١) مكسه : ظلمه ، وفي البيع : انتقص الثمن. والمكّاس : من يأخذ المكس ، أي : الدراهم التي كانت تؤخذ من بائعي السلع في الجاهليّة.
(٢) سبأ : ٣٣.
(٣) الأعراف : ١٦.
(٤) الأنعام : ١٥٣.