وقيل : أراد به قطع طمعهم في العود بسبب التعليق على ما لا يكون ، فإنّ مشيئة الله لعودهم في الكفر محال خارج عن الحكمة. فهذا من قبيل قوله : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) (١). وكما قيل :
إذا شاب الغراب أتيت أهلي |
|
وصار القار كاللبن الحليب |
(وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) أي : أحاط علمه بكلّ شيء ممّا كان وما يكون ، فهو يعلم أحوال عباده كيف تتحوّل ، وقلوبهم كيف تنقلب ، وكيف تقسو بعد الرقّة ، وتمرض بعد الصحّة ، وترجع إلى الكفر بعد الإيمان. أو علمه أحاط بكلّ ما هو من الحكمة ، وما هو خارج عنها.
(عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) في أن يثبّتنا على الإيمان ، ويخلّصنا من الأشرار ، ويوفّقنا لازدياد الإيقان. (رَبَّنَا افْتَحْ) أي : احكم (بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) فإنّ الفتاحة الحكومة. أو أظهر أمرنا ، بأن تنزل عليهم عذابا يتبيّن معه أنّا على الحقّ وأنّهم على الباطل ، ويتميّز المحقّ من المبطل ، من : فتح المشكل إذا بيّنه. (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) على المعنيين.
(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) أي : اشرافهم ، للّذين دونهم يثبّطونهم عن الإيمان (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً) وتركتم دينكم (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) لاستبدالكم ضلالته بهداكم. أو لفوات ما يحصل بالبخس والتطفيف ، لأنّه ينهاكم عنهما ، ويحملكم على الإيفاء والتسوية. وهو سادّ مسدّ جواب الشرط والقسم الموطّأ باللام.
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) الزلزلة. وفي سورة الحجر : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) (٢).
ولعلّها كانت من مباديها. (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ) أي : في مدينتهم (جاثِمِينَ) ميّتين لا حراك لهم.
__________________
(١) الأعراف : ٤٠.
(٢) الحجر : ٧٣.