كقوله : (فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) (١). (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) إذ لا معقّب لحكمه ، ولا حيف فيه.
(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) أي : قال الّذين رفعوا أنفسهم فوق مقدارها (مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) أي : ليكوننّ أحد الأمرين : إمّا إخراجكم من بلدتنا ، أو عودكم في الكفر. وشعيب لم يكن في ملّتهم قطّ ، لأنّ الأنبياء لا يجوز عليهم الكفر لا قبل البعث ولا بعدها ، لكن غلّبوا الجماعة على الواحد ، فخوطب هو وقومه بخطابهم. وعلى التغليب أجري الجواب في قوله : (قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) الواو للحال ، والهمزة للاستفهام ، أي : وكيف نعود فيها في حال كوننا كارهين للدخول فيها؟
وقيل : المعنى : إنّكم لا تقدرون على ردّنا إلى دينكم على كره منّا. فيكون على هذا «كارهين» بمعنى : مكرهين. أو يكون ذكر العود لظنّهم أنّه كان قبل ذلك على دينهم ، وقد كان عليهالسلام يخفي دينه فيهم.
(قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ) اختلقنا عليه (كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) شرط جوابه محذوف ، دليله «قد افترينا». وهو بمعنى المستقبل ، لأنّه لم يقع ، لكنّه جعل كالواقع للمبالغة. وأدخل عليه «قد» لتقريبه من الحال ، أي : قد افترينا الآن إن هممنا بالعود بعد الخلاص منها ، حيث نزعم أنّ لله تعالى ندّا ، وأنّه قد تبيّن لنا أنّ ما كنّا عليه باطل ، وما أنتم عليه حقّ. وقيل : إنّه جواب قسم ، وتقديره : والله لقد افترينا.
(وَما يَكُونُ لَنا) وما يصحّ وما ينبغي لنا (أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) خذلاننا ومنعنا الألطاف ، لعلمه أنّها لا تنفع فينا ، فيكون فعلها بنا عبثا ، والله تعالى متعال عن فعل العبث.
__________________
(١) التوبة : ٥٢.