أرضهم. وإنّما عدّي باللام لأنّه بمعنى : يبيّن. (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أنّ الشأن لو نشاء أصبناهم بجزاء ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم ، وأهلكناهم كما أهلكنا أولئك (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) معطوف على ما دلّ عليه (أَوَلَمْ يَهْدِ) ، فكأنّه قيل : يغفلون عن الهداية ونطبع على قلوبهم. أو على (يَرِثُونَ الْأَرْضَ). أو منقطع عنه ، بمعنى : ونحن نطبع. ولا يجوز عطفه على «أصبناهم» على أنّه بمعنى : وطبعنا ، لأنّه في سياقة جواب «لو» ، وهو يدلّ على نفي الطبع عنهم ، وهذا باطل ، لأنّ القوم كانوا مطبوعا على قلوبهم من فرط الكفر واقتراف الذنب ، والرسوخ عليه عنادا ولجاجا ، مع ظهور الحقّ عليهم. وقد ذكرنا معنى الطبع (١) غير مرّة. (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) سماع تفهّم واعتبار.
(تِلْكَ الْقُرى) يعني : قرى الأمم المارّ ذكرهم (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها) لتخبر قومك بها ، فيعتبروا ويحذروا عن الإصرار على مثل حالهم. والجملة الفعليّة حاليّة إن جعل القرى خبرا لـ «تلك» ، فيكون كلاما مفيدا بالتقييد بالقرى ، كما يفيد بشرط التقييد بالصفة في قولك : هو الرجل الكريم. وخبر إن جعلت صفة لـ «تلك».
ويجوز أن يكونا خبرين ، و «من» للتبعيض ، أي : نقصّ بعض أنبائها ، ولها أنباء غيرها لا نقصّها.
(وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) عند مجيئهم بها (بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) ومن قبل مجيء الرسل ، بل كانوا مستمرّين على التكذيب. أو فما كانوا ليؤمنوا مدّة عمرهم بما كذّبوا به أوّلا حين جاءتهم الرسل ، ولم تؤثّر فيهم قطّ دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة. واللام لتأكيد النفي ، والدلالة على أنّ الإيمان كان منافيا لحالهم ، لفرط عنادهم ولجاجهم ، وتصميمهم على الكفر ، وانهماكهم في المعصية ، مع تكرار المواعظ عليهم وتتابع الآيات.
__________________
(١) راجع ص ١٨٧ ذيل الآية ١٥٥ من سورة النساء.