ثمّ عطف سبحانه قصّة موسى عليهالسلام على ما تقدّم من قصص الأنبياء عليهمالسلام ، فقال : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى) الضمير للرسل في قوله : (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ). أو للأمم. (بِآياتِنا) يعني : المعجزات (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها) بأن كفروا بها مكان الإيمان الّذي هو من حقّها ، لوضوحها. ولهذا المعنى وضع «ظلموا» موضع : كفروا. وفرعون لقب لمن ملك مصر ، ككسرى لمن ملك فارس.
وكان اسمه قابوس. وقيل : الوليد بن مصعب بن الريّان. (فَانْظُرْ) نظر الاعتبار (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) من الإغراق.
(وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) إليك وإلى قومك.
وقوله : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) يجوز أن يكون هذا جوابا لتكذيبه إيّاه في دعوى الرسالة. وإنّما لم يذكره لدلالة قوله : «فظلموا بها» عليه.
وكأنّ أصله : حقيق عليّ أن لا أقول ، كما قرأ نافع ، أي : واجب عليّ ، فقلب لأمن الالتباس. أو لأنّ ما لزمك فقد لزمته ، فلمّا كان قول الحقّ حقيقا عليه كان هو حقيقا على قول الحقّ ، أي : لازما له. أو لأنّ حقيقا يتضمّن معنى : حريص.
والتوجيه الرابع ـ وهو الأوجه الأدخل في نكت القرآن ـ : أن يغرق موسى عليهالسلام في وصف نفسه بالصدق في ذلك المقام ، لا سيّما وقد روي أنّ عدوّ الله فرعون قال له ـ لمّا قال : (رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ : كذبت. فيقول : أنا حقيق عليّ قول الحقّ ، أي : واجب عليّ قول الحقّ أن أكون أنا قائله والقائم به ، ولا يرضى إلّا بمثلي ناطقا به. ويحتمل أن يكون «على» بمعنى الباء ، لإفادة التمكّن ، كقولهم : رميت السهم على القوس ، وجئت على حال حسنة.
(قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ) بمعجزة ظاهرة الدلالة على صدقي (مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) فخلّهم من عقال التسخير حتّى يرجعوا معي إلى الأرض المقدّسة الّتي هي وطن آبائهم. وكان قد استعبد فرعون والقبط بني إسرائيل ، واستخدموهم في الأعمال الشاقّة ، فأنقذهم الله بموسى. وكان بين اليوم الّذي دخل