يوسف مصر واليوم الّذي دخله موسى أربعمائة عام.
(قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ) بحجّة من عند من أرسلك (فَأْتِ بِها) فأحضرها عندي ليثبت بها صدقك ، ويصحّ بها دعواك (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في الدعوى.
(فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) ظاهر أمره ، لا يشكّ في أنّه ثعبان ، وهو الحيّة العظيمة.
وروي أنّه لمّا ألقاها صارت ثعبانا أشعر فاغرا (١) فاه ، بين لحييه ثمانون ذراعا ، وضع لحيه الأسفل على الأرض ، ولحيه الأعلى على سور القصر. ثمّ توجّه نحو فرعون ، فوثب فرعون من سريره وهرب وأحدث ، وصاح : يا موسى أنشدك بالّذي أرسلك أن تأخذه وأنا أومن بك ، وأرسل معك بني إسرائيل. وانهزم الناس مزدحمين ، فمات منهم خمسة وعشرون ألفا ، ويصيح فرعون : خذه يا موسى.
فأخذه موسى ، فعاد عصا.
واعلم أنّ عصا موسى كانت بصفة الجانّ في ابتداء النبوّة ، كما حكاه الله تعالى في قوله : (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) (٢). أمّا عند فرعون فصارت بصفة الثعبان. وقيل : إنّه سبحانه شبّهها بالجانّ لسرعة حركتها ونشاطها وخفّتها ، مع أنّها في جسم الثعبان ، فلا منافاة.
وروي أنّ هذه العصا كانت لآدم عليهالسلام من آس الجنّة حين أهبط ، وكانت تدور بين أولاده ، حتّى انتهت النوبة إلى شعيب ، فكانت ميراثا له مع أربعين عصا كانت لآبائه. فلمّا استأجر شعيب موسى أمره بدخول بيت فيه العصيّ ، وقال له : خذ عصا من تلك العصيّ. فوقعت تلك العصا بيد موسى ، فاستردّها شعيب ، وقال : خذ غيرها ، حتّى فعل ذلك سبع مرّات ، وقيل : ثلاث مرّات ، في كلّ مرّة تقع يده عليها دون غيرها ، فتركها في يده في المرّة الأخيرة.
__________________
(١) أي : فاتحا.
(٢) النمل : ١٠ ، القصص : ٣١.