القيام بأمر الأمّة من حيث كان نبيّا لما احتاج فيه إلى استخلاف موسى إيّاه وإقامته مقامه.
ثمّ ذكر سبحانه حديث الميقات ، فقال : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا) لوقتنا الّذي وقّتناه وحدّدناه. واللام للاختصاص ، فكأنّه قيل : اختصّ مجيئه لميقاتنا ، كما تقول : أتيته لخمس خلون من الشهر. (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) من غير واسطة ، كما يكلّم الملائكة. وتكليمه أن ينشئ الكلام منطوقا في بعض الأجرام ، كما خلقه مخطوطا في اللوح ، لأنّ الكلام عرض لا بدّ له من محلّ يقوم به. وروي : أنّه عليهالسلام كان يسمع ذلك الكلام من كلّ جهة.
وعن ابن عبّاس : كلّمه أربعين يوما ، وأربعين ليلة.
(قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) المفعول الثاني محذوف ، يعني : أرني نفسك أنظر إليك ، أي : اجعلني متمكّنا من رؤيتك ، بأن تتجلّى لي فأنظر إليك وأراك. وإنّما طلب الرؤية لقومه حين قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) (١) ، ولذلك دعاهم سفهاء وضلّالا ، وقال لمّا أخذتهم الرجفة : (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) (٢). ولم يسأل ذلك إلّا بعد أن أنكر عليهم ونبّههم على الحقّ ، فلجّوا وتمادوا في لجاجهم ، فأراد أن يسمعوا النصّ من عند الله باستحالة الرؤية ، وهو قوله : (قالَ لَنْ تَرانِي) ليتيقّنوا وتزول شبهتهم.
ومعنى «لن» تأكيد النفي الّذي يعطيه «لا» ، وذلك أنّ «لا» ينفي المستقبل ، تقول : لا أفعل غدا ، فإذا أكّدت النفي قلت : لن افعل غدا. والأصحّ أنّ «لن» ينفي مدخوله على وجه التأبيد ، كما قال : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) (٣). فقوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (٤) نفي للرؤية فيما يستقبل. وقوله : «لن تراني» تأكيد وبيان أنّ
__________________
(١) البقرة : ٥٥.
(٢) الأعراف : ١٥٥.
(٣) الحجّ : ٧٣.
(٤) الأنعام : ١٠٣.