(وَإِذْ قالَتْ) عطف على «إذ يعدون» (أُمَّةٌ مِنْهُمْ) جماعة من أهل القرى ، يعني : صلحاءهم الّذين اجتهدوا في موعظتهم حتّى أيسوا من اتّعاظهم (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) مخزيهم ومستأصلهم في الدنيا بمعصيتهم (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) في الآخرة ، لتماديهم في العصيان. قالوه مبالغة في أنّ الوعظ لا ينفع فيهم ، أو سؤالا عن علّة الوعظ ونفعه ، وكأنّه تقاول بينهم ، أو قول من ارعوى عن الوعظ لمن لم يرعو منهم. وقيل : المراد طائفة من الفرقة الهالكة أجابوا به وعّاظهم ، ردّا عليهم وتهكّما بهم.
(قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) جواب للسؤال ، أي : موعظتنا إنهاء عذر إلى الله تعالى ، حتّى لا تنسب إلى تفريط في النهي عن المنكر. وقرأ حفص : معذرة بالنصب على المصدر أو العلّة ، أي : اعتذرنا به معذرة ، أو وعظناهم معذرة (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ولطمعنا أن يتّقوا ويرجعوا ، إذ اليأس لا يحصل إلّا بالهلاك.
(فَلَمَّا نَسُوا) تركوا ترك الناسي (ما ذُكِّرُوا بِهِ) ما ذكّروهم به صلحاؤهم (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) بالاعتداء ومخالفة أمر الله تعالى (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) شديد. فعيل من : بؤس يبؤس بؤسا ، إذا اشتدّ.
وقرأ أبو بكر بيئس على فيعل ، كضيغم. وابن عامر : بئس بكسر الباء وسكون الهمزة ، على أنّه بئس كحذر. كما قرئ به شاذّا فخفّف عينه بنقل حركتها إلى الفاء ، ككبد. ونافع : بيس على قلب الهمزة ياء ، كما قلبت في ذيب ، أو على أنه فعل الذمّ وصف به فجعل اسما. (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) بسبب فسقهم.
(فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ) تكبّروا عن ترك ما نهوا عنه ، كقوله تعالى : (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) (١) (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً) عبارة عن مسخهم قردة (خاسِئِينَ) مطرودين مبعّدين. وهذا كقوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ
__________________
(١) الأعراف : ٧٧.