كُنْ فَيَكُونُ) (١). والظاهر أنّ الله عذّبهم أوّلا بعذاب شديد ، فعتوا بعد ذلك فمسخهم. ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريرا وتفصيلا للأولى.
ولم يذكر الفرقة الثالثة الّتي قالت لم تعظون؟ أهي الناجية أم من الهالكة؟ واختلف في ذلك فقيل : هلكت الفرقتان ، ونجت الفرقة الناهية. وروي ذلك عن الصادق عليهالسلام.
وقيل : نجت الفرقتان وهلكت الفرقة الثالثة ، وهي الآخذة للحيتان ، لأنّ الناهي إذا علم أنّ النهي لا يؤثّر في المنهيّ سقط عنه النهي.
وروي أنّ الناهين لمّا أيسوا عن اتّعاظ المعتدين كرهوا مساكنتهم ، فقسّموا القرية بجدار فيه باب مطروق ، فأصبحوا يوما ولم يخرج إليهم أحد من المعتدين ، فقالوا : إنّ لهم شأنا ، فدخلوا عليهم فإذا هم قردة ، فلم يعرفوا أنسباءهم ، ولكن القرود تعرفهم ، فجعلت تأتي أنسباءهم ، وتشمّ ثيابهم ، وتدور باكية حولهم ، ثمّ ماتوا بعد ثلاث.
وفي الكشّاف : «أنّ أصحاب السبت كانوا مستقيمين على ما أمروا به وما نهوا عنه برهة من الدهر ، ثمّ جاء إبليس فقال لهم : إنّما نهيتم عن أخذها يوم السبت ، فاتّخذوا حياضا تسوقون الحيتان إليها يوم السبت ، فلا تقدر على الخروج منها ، وتأخذونها يوم الأحد.
وأخذ رجل منهم حوتا وربط في ذنبه خيطا إلى خشبة في الساحل ، ثمّ شواه يوم الأحد. فوجد جاره ريح السمك ، فتطلّع في تنّوره فقال له : إنّي أرى الله سيعذّبك ، فلمّا لم يره عذّب أخذ في السبت القابل حوتين.
فلمّا رأوا أنّ العذاب لا يعاجلهم صادوا وأكلوا وملّحوا وباعوا. وكانوا نحوا من سبعين ألفا. فصار أهل القرية أثلاثا : ثلث نهوا ، وكانوا نحوا من اثني عشر ألفا ،
__________________
(١) النحل : ٤٠.