فصار من الضالّين.
روي أنّ قومه سألوه أن يدعو على موسى ومن معه. فقال : كيف أدعو على من معه الملائكة؟ فألحّوا عليه حتى دعا عليهم ، فبقوا في التيه.
(وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ) إلى منازل الأبرار من العلماء (بِها) بسبب تلك الآيات وملازمتها (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) مال إلى الدنيا ورغب فيها ، أو إلى السفالة والدناءة (وَاتَّبَعَ هَواهُ) في إيثار الدنيا واسترضاء قومه ، وأعرض عن مقتضى الآيات. وكان أصل الكلام أن يقول : ولكنّه أعرض عنها ، فأوقع موقعه (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ) مبالغة ، وتنبيها على ما حمله عليه ، وأنّ حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة.
وإنّما علّق الله سبحانه رفعه بمشيئة الله ، ولم يعلّقه بفعله الّذي يستحقّ به الرفع ، لأنّ مشيئة الله رفعه تابعة للزومه الآيات ، فذكرت المشيئة ، والمراد ما هي تابعة له ومسبّبة عنه ، كأنّه قيل : ولو لزمها لرفعناه بها. ألا ترى إلى قوله : (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) فإنّه تعالى استدرك مشيئته بإخلاده الّذي هو فعله ، فوجب أن يكون (وَلَوْ شِئْنا) في معنى ما هو فعله ، ولو كان الكلام على ظاهره لوجب أن يقال : لرفعناه ولكنّا لم نشأ.
ثمّ ضرب مثلا لكلّ مؤثر هواه على هدى الله من أهل القبلة ، فقال : (فَمَثَلُهُ) فصفته الّتي هي مثل في الخسّة (كَمَثَلِ الْكَلْبِ) كصفته في أخسّ أحواله ، وهو (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) أي : يلهث دائما ، سواء حمل عليه بالزجر والطرد أو ترك ولم يتعرّض له ، أي : يتّصل لهثه في الحالين جميعا ، وذلك لضعف فؤاده ، بخلاف سائر الحيوانات ، فإنّها لا تلهث إلّا حين هيجت. واللهث إدلاع اللسان من التنفّس الشديد. والشرطيّة في موضع الحال. والمعنى : لاهثا في الحالتين ، أي : إن وعظته فهو ضالّ ، وإن لم تعظه فهو ضالّ. ومثله قوله تعالى :