(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) أي : القيامة. وهي من الأسماء الغالبة ، كالنجم للثريّا. وإطلاقها عليها إمّا لوقوعها بغتة ، أو لسرعة حسابها ، أو لأنّها على طولها عند الله تعالى كساعة. (أَيَّانَ مُرْساها) متى إرساؤها؟ أي : إثباتها. واشتقاق أيّان من أيّ ، لأنّ معناه : أيّ وقت؟ وهو من : أويت ، لأنّ البعض آو إلى الكلّ متساند إليه. والإرساء من الرسو ، بمعنى الثبوت ، فإنّ رسو الشيء ثباته واستقراره ، ومنه : رسا الجبل ، وأرسى السفينة.
(قُلْ إِنَّما عِلْمُها) علم إرسائها (عِنْدَ رَبِّي) يعني : استأثر به لم يطلع عليه ملكا مقرّبا ولا نبيّا مرسلا ، فضلا عن غيرهما من خلقه ، ليكون العباد على حذر منه ، وذلك أدعى لهم إلى الطاعة ، وأزجر عن المعصية ، كما أخفى سبحانه وقت الموت لذلك (لا يُجَلِّيها) لا يظهر أمرها ، ولا يكشف خفاء علمها (لِوَقْتِها) في وقتها (إِلَّا هُوَ) يعني : أنّ الخفاء بها مستمرّ على غيره إلى وقت وقوعها. واللام للتوقيت ، كاللام في قوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) (١).
(ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) كثرت وعظمت على أهلها من الملائكة والجنّ والإنس ، لأهوالها وشدائدها. وكأنّه إشارة إلى الحكمة في إخفائها. (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) فجأة على غفلة.
وفي الحديث : «أنّ الساعة تهيج بالناس ، والرجل يصلح حوضه ، والرجل يسقي ماشيته ، والرجل يقوّم سلعته في سوقه ، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه».
(يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) عالم بها. فعيل من : حفي عن الشيء إذا سأل عنه ، وحفي بفلان يحفي به بالغ في البرّ به ، فإنّ من بالغ في السؤال عن الشيء والبحث عنه استحكم علمه فيه ، ولذلك عدّي بـ «عن».
وقيل : هي صلة الفعل ، أي : يسألونك عنها كأنّك حفيّ عالم بها.
وقيل : من الحفاوة ، بمعنى الشفقة ، فإنّ قريشا قالوا له : إنّ بيننا وبينك قرابة ،
__________________
(١) الإسراء : ٧٨.