بخلاف غيره (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) أي : ما دون الشرك ، صغيرا كان أو كبيرا (لِمَنْ يَشاءُ) تفضّلا عليه وإحسانا.
ولمّا ذهب المعتزلة إلى أنّ الله يغفر الشرك لمن يشاء ، ولا يغفر ما دون الشرك من الكبائر إلّا بالتوبة ، فأوّل الفعل المنفيّ والمثبت بأنّهما موجّهان إلى من يشاء.
والمعنى : أنّ الله لا يغفر الشرك لمن يشاء ، وهو من لم يتب ، ويغفر ما دونه لمن يشاء ، وهو من تاب.
وفي تقييد غفران ما دون الشرك بالتائب تقييد بلا دليل ، إذ ليس عموم آيات الوعيد بالمحافظة أولى من آيات الوعد ، ونقض لمذهبهم ، فإنّ تعليق الأمر بالمشيئة ينافي وجوب التعذيب قبل التوبة والصفح بعدها. فالآية كما هي حجّة عليهم ، حجّة على الخوارج الّذين زعموا أنّ كلّ ذنب شرك ، وأنّ صاحبه مخلّد في النار.
روى مطرف بن الشخير عن عمر بن الخطّاب قال : كنّا على عهد رسول الله إذا مات الرجل منّا على كبيرة شهدنا عليه بأنّه من أهل النار ، حتّى نزلت هذه الآية ، فأمسكنا عن الشهادات.
والصحيح أنّ الله لا يغفر المشرك غير التائب قطّ ، ويغفر ما دون الشرك ، التائب وغير التائب مطلقا تفضّلا.
وتنقيح هذا المبحث : أنّ الله تعالى نفى غفران الشرك أوّلا ، وقد حصل الإجماع على أنّه تعالى يغفره بالتوبة ، ثم أثبت غفران ما دون الشرك من المعاصي ، فينبغي أن يكون المراد غفران من لم يتب منها ، ليخالف المنفيّ المثبت. ثم علّق المشيئة بالمغفور لهم فقال : «لمن يشاء» أي : يغفر الذنوب الّتي هي دون الشرك لمن يشاء أن يغفر له من المذنبين ، ليكون العبد واقفا بين الخوف والرجاء ، خارجا عن الإغراء ، إذ الإغراء إنّما يحصل بالقطع على الغفران ، دون الرجاء للغفران المعلّق بالمشيئة. ولذا قال الصادق عليهالسلام : «لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا». ويؤيّده