قوله سبحانه : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (١). (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) (٢). فذكر المشيئة لأجل ذلك.
فالآية أرجى من كلّ آية ، كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «ما في القرآن آية أرجى عندي من هذه الآية».
وقد روينا قبل عن ابن عبّاس (٣) أنّه قال : ثمان آيات نزلت في سورة النساء خير لهذه الأمّة ممّا طلعت عليه الشمس وغربت ، قوله سبحانه : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ). و (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ). (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ). (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ). (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ).
(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) في الموضعين. (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ). فظهر من هذا التفصيل أنّ الله تعالى يغفر الذنوب من غير توبة.
وإذا انتقش هذا على صفحة الخاطر علم أنّ ما قال جار الله في الكشّاف (٤) من أنّ المنفيّ والمثبت في الآية موجّهان إلى قوله : «لمن يشاء» ، والمراد بالأوّل من لم يتب ، وبالثاني من تاب ، في غاية الفساد والبطلان ، لأنّه يكون حينئذ معنى الآية : أنّه سبحانه لا يغفر الشرك لمن يشاء وهو غير التائب ، ويغفر لمن تاب منه ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وهو التائب ، ولا يغفر لمن لم يتب منه ، فيصير المنفيّ والمثبت كما ترى سواء في الحكم والمعنى. وحاشا كلام الّذي بهر العقول بفصاحته عن مثل هذه النقيصة الّتي يأبى عنها كلام كلّ عاقل. على أنّ التوبة إذا أوجبت عنده إسقاط العقاب فكيف تعلّق بها المشيئة؟! جلّ ربّنا عن مثله ، وتقدّس عن شبهه.
(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى) فقد كذب بقوله : إنّ العبادة يستحقّها غير الله
__________________
(١) الحجر : ٥٦.
(٢) الأعراف : ٩٩.
(٣) راجع ص : ٤٩.
(٤) الكشّاف ١ : ٥١٩ ـ ٥٢٠.