تعالى ، وأثم (إِثْماً عَظِيماً) يستحقر دونه سائر الآثام. وهو إشارة إلى المعنى الفارق بينه وبين سائر الذنوب. ولفظ الافتراء كما يطلق على القول ، يطلق على الفعل. وكذلك لفظ الاختلاق.
قال الكلبي : نزلت هذه الآية في المشركين ، وحشيّ وأصحابه ، وذلك أنّه لمّا قتل حمزة وكان قد جعل له على قتله أن يعتق ، فلم يوف له بذلك ، فلمّا قدم مكّة ندم على صنيعه هو وأصحابه ، فكتبوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّا قد ندمنا على الّذي صنعناه ، وليس يمنعنا على الإسلام إلّا أنّا سمعناك تقول وأنت بمكّة : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) (١) الآيتان. وقد دعونا مع الله إلها آخر. وقتلنا النفس الّتي حرّم الله ، وزنينا ، فلولا هذه لاتّبعناك.
فنزلت : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) (٢) الآيتان. فبعث بهما رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى وحشي وأصحابه.
فلمّا قرءوهما كتبوا إليه : هذا شرط شديد فنخاف أن لا نعمل صالحا ، فلا نكوننّ من أهل هذه الآية.
فنزل : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ). فبعث بها إليهم.
فقرؤوها فبعثوا إليه : إنّا نخاف أن لا نكون من أهل مشيئته.
فنزلت : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (٣). فبعث بها إليهم.
__________________
(١) الفرقان : ٦٨.
(٢) مريم : ٦٠.
(٣) الزمر : ٥٣.