والنصفة والسويّة بين البريّة ، عقّبها بحثّ الرعيّة على طاعتهم ، والاقتداء بهم ، والردّ إليهم في ترافعهم وتخاصمهم ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ) الزموا طاعة الله فيما أمركم به ونهاكم عنه (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) والزموا طاعة رسوله في الأمر والنهي. وإنّما أفرد الأمر بطاعة الرسول ، وإن كانت طاعته طاعة الله سبحانه ، مبالغة في البيان ، وقطعا لتوهّم من توهّم أنّه لا يجب لزوم ما ليس في القرآن من الأوامر.
ونظيره قوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (١). (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٢). (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (٣).
وقيل : معناه : أطيعوا الله في الفرائض ، والرسول في السنن. والأوّل أصحّ ، لأنّ طاعة الرسول طاعة الله ، وامتثال أوامره امتثال أوامر الله ، كما دلّت عليه الآيات المذكورة.
(وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) للمفسّرين (٤) فيه قولان :
أحدهما : أنّ المراد منهم الأمراء. وهو مرويّ عن ابن عبّاس وأبي هريرة وميمون بن مهران والسدّي. واختاره الجبائي والبلخي.
وثانيهما : أنّهم العلماء ، لأنّهم الّذين يرجع إليهم في الأحكام ، ويجب الرجوع إليهم عند التنازع ، دون الولاة. وهو منقول عن جابر بن عبد الله وابن عبّاس في رواية اخرى.
وأمّا أصحابنا رضوان الله عليهم فإنّهم رووا عن الباقر والصادق عليهماالسلام أنّ أولي الأمر هم الأئمّة من آل محمّد عليهمالسلام ،أوجب الله طاعتهم بالإطلاق ، كما أوجب
__________________
(١) النساء : ٨٠.
(٢) الحشر : ٧.
(٣) النجم : ٣ ـ ٤.
(٤) انظر الكشّاف ١ : ٥٢٤ ، مجمع البيان ٢ : ٦٤ ، تفسير البيضاوي ٢ : ٩٤ ـ ٩٥.