وأكثر المفسّرين (١) قالوا : كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة ، فقال له اليهودي : أحاكم إلى محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّه علم أنّه لا يقبل الرشوة ، ولا يجور في الحكم. فقال المنافق : لا بل بيني وبينك كعب بن الأشرف ، لأنّه علم أنّه يأخذ الرشوة ، فنزلت. فالمراد بالطاغوت كعب بن الأشرف ، لإفراطه في الطغيان وعداوة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ونقل عن العامّة (٢) أنّ منافقا خاصم يهوديّا ، فدعاه اليهوديّ إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف. ثم إنّهما احتكما إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فحكم لليهوديّ ، فلم يرض المنافق ، وقال : نتحاكم إلى عمر. فقال اليهودي لعمر : قضى لي رسول الله فلم يرض بقضائه ، وخاصم إليك. فقال عمر للمنافق : أكذلك؟ فقال : نعم.
فقال : مكانكما حتى أخرج إليكما ، فدخل فأخذ سيفه ثم خرج فضرب عنق المنافق حتى برد ، وقال : هكذا أقضي لمن لم يؤمن بقضاء الله ورسوله ، فنزلت.
وقال جبرئيل : إنّ عمر فرّق بين الحقّ والباطل ، فسمّي الفاروق.
أقول : وا عجباه من قوله : هكذا أقضي لمن لم يؤمن بقضاء الله ، ومن مخالفته حكم الله وحكم رسوله يوم الغدير ، وعدم إيمانه به بعد أن قال مخاطبا لعليّ عليهالسلام : بخ بخ لك يا أبا الحسن ، صرت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
وروى أصحابنا عن السيّدين الباقر والصادق عليهماالسلام أنّ المعنيّ به كلّ من يتحاكم إليه ممّن يحكم بغير الحقّ. وهذا هو الحقّ.
(وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) يعني به قوله سبحانه : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها) (٣). (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ)
__________________
(١) انظر مجمع البيان ٢ : ٦٦.
(٢) انظر الكشّاف ١ : ٥٢٥ ، تفسير البيضاوي ٢ : ٩٥.
(٣) البقرة : ٢٥٦.